روى ابن إسحاق وابن راهويه وأبو يعلى والطبراني رضي الله عنهم عن وابن حبان عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: حدثتني حليمة، والبيهقي عن وابن عساكر رضي الله تعالى عنهما، وفي سنده من تكلم فيه لكن لأكثره شاهد قوي ابن عباس عن والبيهقي الزهري وأبو يعلى عن وأبو نعيم مرفوعا مختصرا، والإمام شداد بن أوس أحمد عن والدارمي عتبة بن عبد الله مرفوعا مختصرا، عن وأبو نعيم بريدة، وابن سعد وأبو نعيم عن وابن عساكر يحيى بن يزيد السعدي وابن سعد عن رضي الله عنهم- أن زيد بن أسلم- حليمة قالت:
قدمت على أتان لي قمراء قد أزمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع، [من] صبينا ذاك لا يجد في شارفنا ما يكفيه ولا في ثديي ما يغنيه فقدمنا مكة.
وذكر رحمه الله تعالى أن العوفي عبد المطلب سمع وقت دخول حليمة مكة هاتفا يقول:
إن ابن آمنة الأمين محمدا خير الأنام وخيرة الأخيار ما إن له غير الحليمة مرضع
نعم الأمينة هي على الأبرار مأمونة من كل عيب فاحش
ونقية الأثواب والأزرار لا تسلمنه إلى سواها إنه
أمر وحكم جا من الجبار
فإن زوجي أبو ذؤيب . وإنها أخبرتها بما رأت في حمله صلى الله عليه وسلم وحين وضعته.
قالت حليمة: فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي. بما شاء الله من لبن، فشرب حتى روي ثم شرب أخوه حتى روي ثم ناما. وقام زوجي إلى شارفنا فإذا إنها لحافل، فحلب [ ص: 387 ] فشرب وشربت حتى انتهينا، وبتنا بخير ليلة. فقال صاحبي: تعلمي يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة ألم تري إلى ما بتنا فيه الليلة من الخير والبركة حين أخذناه؟ قلت:
والله إني لأرجو ذلك.
وفي حديث إسحاق بن يحيى عند ابن سعد أن اليهود مروا على حليمة فقالت: ألا تحدثوني عن ابني هذا فإني حملته كذا ووضعته كذا ورأيت كذا كما وصفت أمه. فقال بعضهم لبعض: اقتلوه فقالوا أيتيم هو؟ قالت: لا هذا أبوه وأنا أمه فقالوا: لو كان يتيما قتلناه.
قالت: ثم رجعنا وركبت أتاني وحملته عليها معي، فو الله لقد قطعت أتاني بالركب حتى ما يتعلق بها حمار، حتى إن صواحبي ليقلن لي يا بنت أبي ذؤيب ويحك! أربعي علينا أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول نعم والله إنها لهي فيقلن: والله إن لها لشأنا.
وفي حديث الزهري أن حليمة نزلت به صلى الله عليه وسلم سوق عكاظ فرآه كاهن من الكهان فقال:
يا أهل سوق عكاظ : اقتلوا هذا الغلام فإن له ملكا. فزاغت به حليمة فأنجاه الله تعالى منهم.
ثم قدمنا أرض بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله تعالى أجدب منها، فكانت غنمي تسرح ثم تروح شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع، إن كان الحاضر من قومنا ليقولون لرعاتهم: ويحكم انظروا حيث تسرح غنم حليمة فاسرحوا معهم. فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن وتروح غنمي شباعا لبنا.
قالت: ولما دخلت به إلى منزلي لم يبق منزل من منازل بني سعد إلا شممنا منه ريح المسك وألقيت محبته صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس حتى بإذن الله تعالى. وكانوا إذا اعتل لهم بعير أو شاة فعلوا ذلك. إن أحدهم كان إذا نزل به أذى في جسده أخذ كفه صلى الله عليه وسلم فيضعها على موضع الأذى فيبرأ سريعا
وروى عن بعض من كان يرعى غنم أبو نعيم حليمة أنهم كانوا يرون غنمها ما ترفع برؤوسها وترى الخضر في أفواهها وأبعارها، وما تزيد غنمنا على أن تربض ما تجد عودا تأكله.
قالت حليمة : فلم يزل الله تعالى يرينا البركة ونتعرفها، حتى بلغ صلى الله عليه وسلم سنتين، فكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان.
وفي حديث رضي الله تعالى عنهما: ابن عباس كان الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا. أول كلام تكلم به صلى الله عليه وسلم به حين فطمته:
وروى عن بعض رعاة أبو نعيم حليمة قالوا: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين حين فطم. [ ص: 388 ]
وكأنه ابن أربع سنين فقدموا به على أمه زائرين لها، وهم أحرص شيء على رده مكانه لما رأوا من عظم بركته، فلما كانوا بوادي السرر لقيت نفرا من الحبشة فرافقتهم فسألوها فنظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا شديدا ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه وإلى حمرة في عينيه فقالوا:
هل يشتكي عينه؟ قالت: لا ولكن هذه الحمرة لا تفارقه. قالوا: والله نبي. انتهى.
قالت: فقدمنا به إلى أمه فلما رأته قلنا لها: اتركي ابننا عندنا هذه السنة فإننا نخاف عليه وباء مكة. فو الله ما زلنا بها حتى قالت نعم فسرحته معنا.
وعند أبي نعيم عن بعض رعاة حليمة أنها مرت بذي المجاز وهي راجعة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبه عراف يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الحمرة بين عينيه وإلى خاتم النبوة صاح: يا معشر العرب اقتلوا هذا الصبي فليقتلن أهل دينكم وليكسرن أصنامكم وليظهرن أمره عليكم. فانسلت به حليمة.
زاد ابن سعد : فجعل الهذلي يصيح: يا لهذيل يا لهذيل وآلهته إن هذا لينتظر أمرا من السماء. وجعل يغري بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينشب أن دله فذهب عقله حتى مات كافرا.
فأقمنا شهرين أو ثلاثة، وكان صلى الله عليه وسلم يخرج فينظر إلى الصبيان يلعبون فيجتنبهم.
وفي حديث عند الزهري ابن سعد قال: كانت حليمة لا تدع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب مكانا بعيدا، فغفلت عنه يوما فخرج مع أخته الشيماء في الظهيرة فخرجت حليمة تطلبه حتى وجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه ما وجد أخي حرارا رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع. قالت: حقا يا بنية؟
قالت: إي والله. انتهى.
فقال لي يوما: يا أماه ما لي لا أرى إخوتي بالنهار. قالت: يرعون بهما غنما لنا فيروحون من الليل إلى الليل. فقال: ابعثيني معهم. فكان صلى الله عليه وسلم يخرج مسرورا ويعود مسرورا. فلما كان يوما من ذلك خرج. فلما انتصف النهار إذ جاءنا أخوه يشتد فقال: يا أبة ويا أمة الحقا أخي محمدا فما تلحقانه إلا ميتا. قلت: وما قصته قال: بينا نحن قيام إذ أتانا رجل فاختطفه من أوساطنا وعلا به ذروة جبل ونحن ننظر إليه حتى شق من صدره إلى عانته. وعند : ابن إسحاق
ورجلان عليهما ثياب بيض فشقا بطنه فهما يسوطانه انتهى. وما أدري ما فعل.
فأقبلت أنا وأبوه نسعى سعيا فإذا به قاعدا على ذروة الجبل شاخصا ببصره إلى السماء فنجده منتقعا لونه فأكببت عليه وقبلت بين عينيه وقلت: فدتك نفسي ما دهاك؟ قال: خيرا يا أماه بينا أنا الساعة قائم إذ أتاني رهط ثلاث بيد أحدهم إبريق فضة وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء ملآن ثلجا فأخذوني وانطلقوا بي إلى ذروة الجبل فأضجعوني إضجاعا لطيفا. [ ص: 389 ]
ولا ألما ثم أدخل يده في جوفي فأخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها. كذا في حديث ثم شق أحدهم من صدري إلى عانتي وأنا أنظر إليه فلم أجد لذلك حسا عند ابن عباس البيهقي، عند وشداد بن أوس أبي يعلى، وأبي نعيم.
وفي صحيح مسلم: فأتاه جبريل فأخذه فصرعه فشق عن قلبه واستخرج القلب، ثم شق القلب فاستخرج منه علقة سوداء فقال: هذا حظ الشيطان منك يا حبيب الله. ثم حشاه بشيء كان معه ورده مكانه ثم ختمه بخاتم النبوة من نور. فأنا الساعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلي. وقام الثالث فقال تنحيا فقد أنجزتما ما أمركما الله تعالى به. ثم دنا مني فأمر يده من مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم الشق بإذن الله تعالى.
وفي حديث عبد الله بن عتبة: فأقبل إلي طائران أبيضان كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه أهو هو؟ قال: نعم فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدهما لصاحبه: آتني بماء ثلج فغسلا به جوفي. ثم قال: آتني بماء برد فغسلا به قلبي. ثم قال آتني بالسكينة فذراها في قلبي. ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضا لطيفا ثم قال الأول: زنه بعشرة من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم. ثم قال: زنه بمائة فوزنوني بهم فرجحتهم ثم قال: زنه بألف من أمته. فوزنوني بهم فجعلت أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم فرجحتهم، فقال: دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم. ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني ثم قالوا: يا حبيب الله لم ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك.
قالت حليمة: فأتيت به منازل بني سعد فقال الناس: اذهبوا به إلى الكاهن حتى ينظر إليه ويداويه. فقال: ما بي شيء مما تذكرون إني أرى نفسي سليمة، وفؤادي صحيح. فقال الناس أصابه لمم أو طائف من الجن. فغلبوني على أمري فانطلقت به إلى الكاهن فقصصت عليه القصة فقال: دعيني أنا أسمع منه فإن الغلام أبصر بأمره منكم، تكلم يا غلام. فقص قصته عليه. فوثب الكاهن قائما على قدميه ونادى بأعلى صوته: يا للعرب من شر قد اقترب اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه فإنكم إن تركتموه وأدرك مدارك الرجال ليسفهن أحلامكم وليكذبن أربابكم وليدعونكم إلى رب لا تعرفونه ودين تنكرونه قالت: فلما سمعت مقالته انتزعته من يده وقلت لأنت أعته منه وأجن، ولو علمت هذا من قولك ما أتيتك به، اطلب لنفسك من يقتلك فإنا لا نقتل محمدا.
فأتيت به منزلي بني سعد إلا وقد شممنا منه ريح المسك، فقال الناس: يا حليمة رديه إلى جده واخرجي من أمانتك. وقال زوجي: أرى أن نرده على أمه. [ ص: 390 ] فما أتيت منزلا من منازل
لتعالجه، فو الله إن أصابه ما أصاب إلا حسدا من آل فلان لما يرون من عظيم بركته يا حليمة أخذناه ولنا أعنز عجاف فهن اليوم ثلاثمائة.
قالت: فعزمت على ذلك. فسمعت مناديا ينادي: هنيئا لك يا بطحاء مكة اليوم يرد إليك النور والدين والبهاء والكمال فقد أمنت أن تخذلي أو تخزي أبد الآبدين.
قال رحمه الله تعالى: وزعم الناس فيما يتحدثون- والله تعالى أعلم- أن أمه السعدية لما قدمت به ابن إسحاق مكة أضلها في الناس وهي مقبلة نحو أهله، فالتمسته فلم تجده فأتت عبد المطلب فقالت: إني قدمت بمحمد هذه الليلة فلما كنت بأعلى مكة أضلني، فو الله ما أدري أين هو. فقام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله تعالى أن يرده صلى الله عليه وسلم عليه. زاد رحمه الله تعالى: فقال البيهقي عبد المطلب:
يا رب إن محمدا لم يوجد فجمع قومي كلهم مبدد
لا هم رد راكبي محمدا اردده لي ثم اتخذ عندي يدا
أنت الذي جعلته لي عضدا لا يبعد الدهر به فيبعدا
فسمع هاتفا من السماء: أيها الناس لا تضجوا إن لمحمد صلى الله عليه وسلم ربا لن يخذله ولن يضيعه. فقال عبد المطلب: من لنا به؟ فقال: إنه بوادي تهامة عند الشجرة اليمنى. فركب عبد المطلب نحوه وتبعه ورقة بن نوفل وسار فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم تحت شجرة يجذب غصنا من أغصانها فقال له جده: من أنت يا غلام؟ قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب .
قال: وأنا جدك فدتك نفسي. واحتمله وعانقه وهو يبكي ثم رجع إلى مكة وهو قدامه على قربوس فرسه فاطمأنت قريش، ونحر عبد المطلب عشرين جزورا وذبح الشياه والبقر وأطعم أهل مكة من ذلك. انتهى.
قالت حليمة : فقالت أمه: ما ردكما به يا ظئر فقد كنتما عليه حريصين؟ قلنا: نخشى الأتلاف والأحداث فقالت: ما ذاك بكما أصدقاني شأنكما. فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره.
فقالت: أخشيتما عليه الشيطان؟ كلا والله ما للشيطان عليه سبيل، والله إنه لكائن لابني هذا شأن، ألا أخبركما خبره؟ قلنا: بلى. قالت: حملت به فما حملت حملا قط أخف منه، فأريت في النوم حين حملت به خرج مني نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام، ثم وقع حين ولدته وقعا ما يقعه المولود، معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السماء.
قالت حليمة : وحدثت عبد المطلب حديثه كله فقال: يا حليمة إن لابني هذا شأنا. [ ص: 391 ]
وددت أني أدرك ذلك الزمان، ثم جهزني عبد المطلب أحسن جهاز وصرفني إلى منزلي بكل خير.
وذكر ابن المعلى الأزدي رحمه الله تعالى في كتاب «الترقيص » أن من شعر حليمة مما كانت ترقص به النبي صلى الله عليه وسلم:
يا رب إذ أعطيته فأبقه وأعله إلى العلا ورقه
وذكر ابن سبع رحمه الله تعالى أن حليمة قالت: قال بعضهم: وذلك من عدله صلى الله عليه وسلم لأنه علم أن له شريكا في الرضاعة. وكان صلى الله عليه وسلم مفطورا على العدل مجبولا على جميل المشاركة والفضل صلى الله عليه وزاده فضلا وشرفا لديه. كنت أعطيه صلى الله عليه وسلم الثدي فيشرب منه ثم أحوله إلى الثدي الأيسر فيأبى أن يشرب منه.
قال العزفي : رحمه الله تعالى: كان النساء يرين إرضاع أولادهن عارا عليهن. وقال غيره: لينشأ غريبا فيكون أنجب للغلام وأفصح له. وقال آخر: كان عادة العرب أن تفعل ذلك لتفرغ النساء للأزواج وهو منتف هنا لأن أباه توفي وهو حمل على الصحيح.
قال رحمه الله تعالى: وكان الواقدي رضي الله تعالى عنهما يقول: ابن عباس وكان غيره يقول: رجع إليها وهو ابن أربع سنين. رجع صلى الله عليه وسلم إلى أمه وهو ابن خمس سنين.
وذكر الأموي - رحمه الله تعالى- أنه صلى الله عليه وسلم رجع وهو ابن ست سنين تزيره جده في كل عام، ولم تره بعد أن ردته إلا مرتين إحداهما بعد تزويج جاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه السنة وأن قومها قد أسنتوا فكلم لها خديجة، فأعطتها عشرين رأسا من غنم وبكرات. والمرة الثانية يوم خديجة حنين.
لقد بلغت بالهاشمي حليمة مقاما علا في ذروة العز والمجد
وزادت مواشيها وأخصب ربعها وقد عم هذا السعد كل بني سعد
بخير الخلق يشرح كل صدر وعند الله حاز أجل قدر
بشق الصدر خص كشق بدر كما خص الكليم بشق بحر
وسعي الدوح جاء لدفع شك كسعي عصا الكليم لدفع سحر
له الشرفان من عم وخال ففاق المرسلين بكل عصر
بدا من خير بيت في قريش وأرضع في بني سعد بن بكر
فضم إلى فصاحة آل سعد سماحة هاشم وجلال فهر
[ ص: 392 ] لقد سعدت حليمة حيث حازت رضاعته ونالت كل فخر
فدر عليه منها الثدي حالا ولم يك قبل ذا يشفي بدر
وأعلم أنه لأخيه حق فغادر ثديها الثاني بوفر
وشارفها جرت لبنا فأروت وكانت لا تبض لهم بقطر
وأسرعت الأتان به نهوضا فأعجب كل من في الركب يسري
وكانت من وراء القوم ضعفا فصارت عن إمام القوم تجري
فقالوا إن لابنك ذا لشأنا أخذت مباركا فثقي بيسر
وكان يشب في شهر كعام إذا اعتبروا وفي يوم كشهر
ويصبح دون صبيتهم دهينا كحيلا طيبا من غير عطر
وكانوا في أشد الأرض جدبا فعم القطر منها كل قطر
وخلف بيوتهم جبريل وافى فشق الصدر منه بغير ضر
وألقى مغمز الشيطان منه فطهره فنال أتم طهر
حشا منه الحشا علما وحلما وإيمانا على ورع وصبر
وأكرمه الإله بشق صدر ووضع الوزر عنه ورفع ذكر
فكان رضا بلا سخط وبذلا بلا بخل وخيرا دون شر
له خلق الملائك وهو خلق من البشر الخصيص بكل بشر
إله العرش أرسله بشيرا نذيرا داعيا لهدى ويسر
فأبدلنا بهدي بعد جهل وعوضنا بيسر بعد عسر
عليه صلاة رب العرش تندى كما تندى الرياض بكل فجر
يواصل عرفها آلا وصحبا كأن ثناهم نفحات زهر
وبدت في رضاعه معجزات ليس فيها عن العيون خفاء
إذ أبته ليتمه مرضعات قلن ما في اليتيم عنا غناء
فأتته من آل سعد فتاة قد أبتها لفقرها الرضعاء
أرضعته لبانها فسقتها وبنيها ألبانهن الشياء
[ ص: 393 ] أصبحت شولا عجافا وأمست ما بها شائل ولا عجفاء
أخصب العيش عندها بعد محل إذ غدا للنبي منها غذاء
يا لها منة لقد ضوعف الأج ر عليها من جنسها والجزاء
حيث أنبتت سنابل والضع ف لديه يستشرف الضعفاء
وإذا سخر الإله أناسا لسعيد فإنهم سعداء
وأتت جده وقد فصلته وبها من فصاله البرحاء
إذ أحاطت به ملائكة الل هـ فظنت بأنهم قرناء
ورأى وجدها به ومن الوج د لهيب تصلى به الأحشاء
فارقته كرها وكان لديها ثاويا لا يمل منه الثواء
شق عن صدره وأخرج منه مضغة عند غسله سوداء
ختمته يمنى الأمين وقد أو دع ما لم يذع له أنباء
صان أسراره الختام فلا ال فض ملم به ولا الإفضاء
ألف النسك والعبادة وال خلوة طفلا وهكذا النجباء
وإذا حلت الهداية قلبا نشطت في العبادة الأعضاء