الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ابن معد

                                                                                                                                                                                                                              معد: بفتح الميم والعين وتشديد الدال المهملتين، وفيما هو منقول منه أقوال: أحدها أن يكون مفعلا بفتح العين من قولك عددت الشيء أعده عدا. حكاه ابن الأنباري والزجاجي عن قطرب.

                                                                                                                                                                                                                              الثاني: أن يكون فعلا بفتح العين من قول العرب معد الرجل في الأرض إذا ذهب. فيما حكاه الزجاجي في مختصر الزاهر وحكاه أيضا السهيلي ، إلا أنه فسر قولهم معد في الأرض [ ص: 293 ] بأفسد فيها. قال السهيلي : وإن كان ليس من الأسماء غير الأعلام ما هو على وزن فعل إلا مع التضعيف فإن التضعيف يدخل في الأسماء ما ليس منها. كما قالوا: شمر وقشعريرة ونحو ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              الثالث: أن يكون من المعد وهو موضع رجل الفارس من الفرس وموضع رجل الراكب من المركوب. حكاه الزجاجي في مختصر الزاهر. وحكى السهيلي نحوه عن ابن الأنباري، إلا أنه قال من المعدين وهما موضع عقبي الفارس من الفرس. قال السهيلي : وأصله على القولين الأخيرين من المعد بسكون العين وهي القوة. ومنه اشتقاق المعدة. وذكر الزجاجي نحوه فقال: ويجوز أن يكون من قول العرب : قد تمعدد الرجل إذا قوي واشتد وقال أبو الفتح بن جني في شرح تصريف أبي عثمان المازني: ويقال تمعدد الغلام إذا صلب واشتد. وقد يكون تمعدد بمعنى خطب وتعبد وتكلم. وأنشد قول الراجز:

                                                                                                                                                                                                                              ربيته حتى إذا تمعددا وصار نهدا كالحصان أجردا     وكان جزائي بالعصا أن أجلدا

                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قال: وقال عمر رضي الله تعالى عنه: "اخشوشنوا وتمعددوا" أي كونوا على خلق معد.

                                                                                                                                                                                                                              وكنيته أبو قضاعة. وقيل أبو نزار. وأمه مهدد بنت اللهم بكسر اللام وسكون الهاء ويقال بالحاء بدل الهاء بن حجب بجيم مفتوحة فحاء مهملة ابن جديس. وقال بعضهم هي من طسم.

                                                                                                                                                                                                                              قال البلاذري والأول أثبت.

                                                                                                                                                                                                                              جديس بالجيم والدال المهملة كأمير طسم بالطاء والسين المهملتين كغلس، قبيلة من عاد انقرضوا.

                                                                                                                                                                                                                              ولما كان زمان بخت نصر كان لمعد بن عدنان ثنتا عشرة سنة. قال أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: أوحى الله تعالى في ذلك الزمان إلى أرميا بن خليقا أن اذهب إلى بخت نصر فأعلمه أني قد سلطته على العرب واحمل معدا على البراق كيلا تصيبه النقمة منهم، فإني مستخرج من صلبه نبيا كريما أختم به الرسل. فاحتمل معدا على البراق إلى أرض الشام فنشأ في بني إسرائيل وتزوج هناك امرأة يقال لها معانة بنت جوشن. وقيل إنما حمل معد إلى أرض العراق.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الماوردي في كتابه أعلام النبوة: إن بخت نصر أراد قتل معد حين غزا بلاد العرب [ ص: 294 ] فأنذره نبي من أنبياء الله تعالى كان في وقته بأن النبوة في ولده. فاستبقاه وأكرمه.

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الربيع غير ذلك من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أنه لما غزا بخت نصر العرب بعث الله تعالى ملكين فاحتملا معدا، فلما أدبر الأمر رداه فرجع موضعه من تهامة بعد ما رفع الله تعالى بأسه عن العرب فكان بمكة وناحيتها مع أخواله من جرهم وبها يومئذ بقية هم ولاة البيت يومئذ. فاختلط بهم يومئذ وناكحهم. وقيل إنما المحمول عدنان قال أبو الربيع. والصحيح الأول.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في ولد معد. فقال عبد الملك بن حبيب: إنهم سبعة عشر رجلا درج منهم بلا عقب تسعة وأعقب ثمانية. فالذين أعقبوا: قضاعة بضم القاف وهو بكر والده واسمه عمرو ولقب قضاعة لما تقضع عن قومه أي بعد. ونزار، وإياد الأكبر وحيدان، بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وعبيد وهو الرماح. وجتيد بجيم مضمومة فتاء مثناة فوقية فتحتية ساكنة فدال مهملة. وسليم وقنص وكلهم انتقلوا إلى اليمن إلا نزارا. وقيل في عددهم غير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لما بلغ ولد معد بن عدنان أربعين رجلا وقعوا في عسكر موسى فانتهبوه، فدعا عليهم موسى عليه الصلاة والسلام فأوحى الله تعالى إليه لا تدع عليهم فإن منهم النبي الأمي النذير البشير، ومنهم الأمة المرحمة أمة محمد يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى منهم بالقليل من العمل فيدخلهم الجنة بقول لا إله إلا الله، نبيهم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب المتواضع في هيبته المجتمع له اللين في سكوته، ينطق بالحكمة ويستعمل الحلم، أخرجته من خير جيل من أمة قريش، ثم أخرجته من صفوة قريش فهو خير من خير إلى خير هو وأمته إلى خير يصيرون".

                                                                                                                                                                                                                              وروى الزبير بن بكار عن مكحول رحمه الله تعالى قال: أغار الضحاك بن معد على بني إسرائيل في أربعين رجلا من بني معد عليهم دراريع الصوف خاطمي خيلهم بحبال الليف، فقتلوا وسبوا وظفروا. فقالت بنو إسرائيل: يا موسى إن بني معد أغاروا علينا وهم قليل فكيف لو كانوا كثيرا وأغاروا علينا وأنت بيننا فادع الله عليهم فتوضأ موسى وصلى، وكان إذا أراد حاجة من الله صلى ثم قال: يا رب إن بني معد أغاروا على بني إسرائيل فقتلوا وسبوا وظفروا وسألوني أن أدعوك عليهم فقال الله: يا موسى لا تدع عليهم فإنهم عبادي وإنهم ينتهون عند أول أمري، وإن فيهم نبيا أحبه وأحب أمته قال: يا رب ما بلغ من محبتك له؟ قال: أغفر له ما تقدم من ذنبه [ ص: 295 ] وما تأخر. قال: يا رب ما بلغ من محبتك لأمته قال: يستغفرني مستغفرهم فأغفر له ويدعوني داعيهم فأستجيب له قال: يا رب فاجعلني منهم قال: تقدمت واستأخروا.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية