الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ابن عبد المطلب

                                                                                                                                                                                                                              عبد المطلب: مفتعل من الطلب. يكنى أبا الحارث، وأبا البطحاء، واسمه شيبة الحمد.

                                                                                                                                                                                                                              قال السهيلي : وهو الصحيح. وقيل عامر. قال أبو عمر رحمه الله تعالى: ولا يصح: واختلف لم سمي شيبة. فقيل: إنه ولد وفي رأسه شيبة وكانت ظاهرة في ذؤابته. وقيل: لأن أباه وصى أمه بذلك. ولقب عبد المطلب لأن أباه هاشما قدم المدينة تاجرا فنزل على عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي النجار. ذكر هذا النسب مصعب. وقال الزهري: عمرو بن زيد بن عدي بن النجار. وقال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: زيد بن عمرو بن أسد بن حرام بن خداش بن جندب بن عدي بن النجار.

                                                                                                                                                                                                                              فلمح ابنته سلمى بنت عمرو فأعجبته فخطبها إلى أبيها فأنكحه إياها وشرط عليه أنها لا تلد ولدا إلا في أهلها. فمضى هاشم ولم يبن بها حتى رجع، فبنى بها عند أهلها وسكن معها سنين، ثم ارتحل إلى مكة بها، فلما أثقلت خرج بها فوضعها عند أبيها ومضى إلى الشام فمات بغزة من وجهه ذلك. وولدت عبد المطلب فمكث بالمدينة سبع سنين أو ثمانيا، ثم إن رجلا من أهل تهامة من بني الحارث بن عبد مناف مر بالمدينة فإذا غلمان ينتضلون وإذا غلام فيهم إذا أصاب قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء. فقال له الرجل: ممن أنت يا غلام؟ قال: أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف. فانصرف الرجل حتى قدم مكة فوجد المطلب بن عبد مناف جالسا في الحجر فقال له: قم يا أبا الحارث. فقام إليه فقال: تعلم أني جئت الآن من يثرب فوجدت غلمانا ينتضلون. وقص عليه ما رأى من عبد المطلب . قال: وإذا أظرف غلام رأيته قط ولا يحسن أن يترك مثله. قال المطلب: أغفلته والله! أما والله لا أرجع إلى أهلي ومالي حتى آتيه. فأعطاه الحارث ناقته فركبها. [ ص: 263 ] فخرج المطلب بن عبد مناف حتى أتى المدينة عشيا ثم خرج براحلته حتى أتى بني عدي ابن النجار فإذا بغلمان من بين ظهراني المجلس، فلما نظر إلى ابن أخيه قال: هذا ابن هاشم؟ فقال القوم: نعم. وعرف القوم المطلب. فقالوا: نعم هذا ابن أخيك، فإن كنت تريد أخذه فالساعة لا تعلم أمه فإنها إن علمت حلنا بينك وبينه. فأناخ راحلته ثم دعاه فقال: يا ابن أخي أنا عمك وقد أردت الذهاب بك إلى قومك فاركب. فوالله ما كذب أن جلس على عجز الرحل وجلس المطلب على الرحل ثم بعث راحلته فانطلق به. فلما علمت أمه أن عمه ذهب به علقت تدعو من حزنها على ابنها وقالت:

                                                                                                                                                                                                                              كنا ولاة حمه ورمه حتى إذا قام على أتمه     انتزعوه غيلة من أمه
                                                                                                                                                                                                                              وغلب الأخوال حق عمه

                                                                                                                                                                                                                              وقيل إنه أخذه بإذن أمه.

                                                                                                                                                                                                                              ولما دخل المطلب مكة دخل ضحوة مردفه خلفه والناس في أسواقهم ومجالسهم، فقاموا يرحبون به ويقولون: من هذا معك؟ فيقول هذا عبدي ابتعته بيثرب . ثم خرج به حتى جاء الحزورة فابتاع له حلة، ثم أدخله على امرأته خديجة ابنة سعيد بن سعد بن سهم، فلما كان العشي ألبسه الحلة ثم أجلسه في مجلس بني عبد مناف وأخبرهم خبره. وجعل بعد ذلك يخرج في تلك الحلة فيطوف في سكك مكة وكان أحسن الناس وجها فيقولون: هذا عبد المطلب. لقول المطلب: هذا عبدي. فثبت اسمه عبد المطلب. وترك شيبة.

                                                                                                                                                                                                                              وكان عبد المطلب يكثر زيارة أخواله ويبرهم.

                                                                                                                                                                                                                              حمة: بحاء مهملة يجوز ضمها وفتحها يعني قليلة. رمة: براء يجوز فتحها وضمها يعني كثيرة.

                                                                                                                                                                                                                              وروى البلاذري عن محمد بن السائب وغيره قالوا: كان عبد المطلب من حلماء قريش وحكمائها، وكان نديمه حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان في جوار عبد المطلب يهودي يقال له أذينة وكان اليهودي يتسوق في أسواق تهامة بماله، فغاظ ذلك حربا فألب عليه فتيان قريش وقال: هذا العلج الذي يقطع إليكم ويخوض في بلادكم بمال جم كثير من غير جوار ولا خيل، والله لو قتلتموه وأخذتم ماله ما خفتم تبعة ولا عرض لكم أحد يطلب دمه. فشد عليه عامر بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي وصخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فقتلاه. فجعل عبد المطلب لا يعرف له قاتلا، فلم يزل يبحث [ ص: 264 ] عن أمره حتى عرف خبره، فأتى حرب بن أمية فأنبه بصنيعه وطلب دم جاره، فأجار حرب قاتليه ولم يسلمهما وأخفاهما، وطالبه عبد المطلب بهما فتغالظا في القول حتى دعاهما المحك واللجاج إلى المنافرة، فجعلا بينهما النجاشي صاحب الحبشة، فأبى أن يدخل بينهما، فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي جد عمر بن الخطاب، فقال لحرب: يا أبا عمرو تنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأوسم منك وسامة، وأعظم منك هامة، وأقل منك لامة. وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صفدا، وأطول منك مددا، وإني لأقول قولي هذا، وإنك لبعيد الغضب، رفيع الصيت في العرب ، جلد المريرة، تحبك العشيرة، ولكنك نافرت منفرا. فنفر عبد المطلب، فغضب حرب.

                                                                                                                                                                                                                              وأغلظ لنفيل وقال: من انتكاس الدهر جعلت حكما. وكانت العرب تتحاكم إليه فقال في ذلك نفيل:

                                                                                                                                                                                                                              أولاد شيبة أهل المجد قد علمت     عليا معد إذا ما هزهز الورع
                                                                                                                                                                                                                              وشيخهم خير شيخ لست تبلغه     أني وليس به سخف ولا طمع
                                                                                                                                                                                                                              يا حرب ما بلغت مسعاتكم هبعا     يسقي الحجيج وماذا يبلغ الهبع
                                                                                                                                                                                                                              أبوكما واحد والفرع بينكما     منه العشاش ومنه الناضر الينع

                                                                                                                                                                                                                              فترك عبد المطلب من آدمة حرب، ونآدم عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة. ولم يفارق حربا حتى أخذ منه مائة ناقة ودفعها إلى ابن عم اليهودي، وارتجع ماله إلا شيئا يسيرا كان قد تلف فغرمه من ماله. فقال الأرقم بن نضلة بن هاشم في ذلك:

                                                                                                                                                                                                                              وقبلك ما أردى أمية هاشم     فأورده عمرو إلى شر مورد
                                                                                                                                                                                                                              أيا حرب قد حاربت غير مقصر     شآك إلى الغايات طلاع أنجد

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية