جماع أبواب بعض الفضائل والآيات الواقعة قبل مولده صلى الله عليه وسلم
الباب الأول في تشريف الله تعالى له صلى الله عليه وسلم بكونه أول الأنبياء خلقا
روى أبو إسحاق الجوزجاني - بجيمين الأولى مضمومة وبينهما زاي مفتوحة، وقبل ياء النسب نون- في تاريخه، ، في تفسيره عن وابن أبي حاتم رضي الله تعالى عنه قال: أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت أول الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا» .
وروى عن ابن إسحاق مرسلا قال: قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث» .
وروى أبو سعد النيسابوري في «الشرف» ، في «الوفا» عن وابن الجوزي ، قال: لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلق كعب الأحبار محمدا- صلى الله عليه وسلم أمر جبريل أن يأتيه بالطينة التي هي قلب الأرض وبهاؤها ونورها، فهبط جبريل في ملائكة الفردوس وملائكة الرفيق [ ص: 69 ] الأعلى، فقبض قبضة رسول الله صلى الله عليه وسلم من موضع قبره الشريف، وهي بيضاء نيرة، فعجنت بماء التسنيم في معين أنهار الجنة، حتى صارت كالدرة البيضاء لها شعاع عظيم، ثم طافت بها الملائكة حول العرش والكرسي والسماوات والأرض، فعرفت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن تعرف آدم أبا البشر، ثم كان نور محمد صلى الله عليه وسلم- يرى في غرة جبهة آدم، وقيل له: يا آدم هذا سيد ولدك من المرسلين. فلما حملت حواء بشيث انتقل النور عن آدم إلى حواء، وكانت تلد في كل بطن ولدين إلا شيثا فإنها ولدته وحده كرامة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم لم يزل النور ينتقل من طاهر إلى طاهر إلى أن ولد صلى الله عليه وسلم.
وفي كتاب الأحكام للحافظ الناقد أبي الحسن بن القطان : روى علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده مرفوعا: «كنت نورا بين يدي ربي عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام» .
وروى الحافظ محمد بن عمر العدني شيخ في مسنده عن مسلم رضي الله عنهما أن ابن عباس قريشا- أي المسعدة بالإسلام- كانت نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفي عام يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه.
قال ابن القطان: فيجتمع من هذا مع ما في حديث أن النور النبوي جسم بعد [ ص: 70 ] خلقه باثني عشر ألف عام وزيد فيه سائر علي: قريش وأنطق بالتسبيح.
انتهى.
وقد أشار عمه رضي الله تعالى عنه إلى ذلك فيما العباس
رواه أن سيدنا الطبراني رضي الله عنه العباس
من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر
أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد
ألجم نسرا وأهله الغرق وردت نار الخليل مكتتما
تجول فيها وليس تحترق تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من
خندف علياء تحتها نطق وأنت لما ولدت أشرقت الأر
ض وضاءت بنورك الأفق ونحن في ذلك الضياء وفي النو
ر وسبل الرشاد نخترق
ولفظ سعيد والبيهقي: «هو فقال: الحمد لله الذي جعل من ذريتي من يسبقني إلى الجنة ولا أحسده» أول من يدخل الجنة. .
ويرحم الله تعالى صالح بن الحسين الشافعي رحمه الله تعالى حيث قال في قصيدته:
وكان لدى الفردوس في زمن الرضا وأثواب شمل الأنس محكمة السدى
يشاهد في عدن ضياء مشعشعا يزيد على الأنوار في النور والهدى
فقال: إلهي ما الضياء الذي أرى جنود السماء تعشو إليه ترددا
فقال نبي خير من وطئ الثرى وأفضل من في الخير راح أو اغتدى
تخيرته من قبل خلقك سيدا وألبسته قبل النبيين سؤددا
الأول: قال في كتاب النفخ والتسوية: في قوله صلى الله عليه وسلم: الغزالي
«كنت أول النبيين خلقا» :
أن المراد بالخلق هنا التقدير دون الإيجاد فإنه قبل أن ولدته أمه لم يكن موجودا، ولكن الغايات والكمالات سابقة في التقدير لاحقة في الوجود. وبسط الكلام على ذلك. ورد عليه السبكي بكلام شاف يأتي في الباب الثالث، ولم يقف على أثر كعب السابق وهو أقوى من الأدلة التي استدل بها.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:
«التسنيم» : قال العزيزي رحمه الله تعالى: يقال هو أرفع شراب أهل الجنة. ويقال: [ ص: 72 ] تسنيم: عين تجري من فوقهم تسنمهم في منازلهم أي تنزل عليهم من عال. ويقال تسنم الفحل الناقة إذا علاها.
وضياء مشعشع : أي منتشر.
وقول سيدنا «من قبلها» الضمير فيه إما للدنيا، أو للنبوة، أو للولادة. العباس:
«الظلال» : جمع ظل. والمراد به هنا: ظل الجنة.
«مستودع» : بفتح الدال المهملة.
«حيث يخصف الورق» : أشار إلى قوله تعالى: وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة .
وأشار إلى كونه في صلب آدم كما كان نطفة في صلب سام بن نوح، وهو في السفينة حين أغرق الله تعالى نسرا.
المضغة: قطعة لحم قدر ما يمضغ في الفم. والعلق: جمع علقة، وهي قطعة من دم غليظ. وإنما جمع العلق هنا لأجل القافية أو للتعظيم.
والسفين : جمع سفينة كما في الصحاح. ونسر: هو المذكور في سورة نوح. ونسر ويغوث ويعوق وود وسواع: أسماء لجماعة عباد كانوا بنين لآدم، فماتوا فحزن عليهم أهل عصرهم فصور لهم إبليس اللعين أمثالهم من طفر ونحاس ليستأنسوا بهم، فجعلوها في مؤخر المسجد، فلما هلك أهل ذلك العصر قال اللعين لأولادهم، هذه آلهة آبائكم فعبدوهم. ثم إن الطوفان دفنها فأخرجها اللعين للعرب فكانت ود لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل بساحل البحر، ويغوث لغطيف من مراد، ويعوق لهمدان، ونسر لذي الكلاع من حمير.
«وتنقل» بضم المثناة الفوقية أوله. «ومن صالب» : أي من صلب يقال صلب وصلب وصالب ثلاث لغات. «وإذا مضى عالم» بفتح اللام. «بدا» بترك الهمزة. أي ظهر. و «الطبق» بفتح الطاء والباء الموحدة. والمعنى: إذا مضى قرن بدا قرن. وقيل للقرن طبق لأنه طبق [ ص: 73 ] الأرض. ويطلق الطبق أيضا على الجماعة من الناس.
و «خندف» بكسر الخاء وسكون النون وكسر الدال المهملة بعدها فاء: من الخندفة وهي في الأصل مشية كالهرولة ثم سميت بها ليلى امرأة إلياس بن مضر .
و «النطق» بضم النون والطاء المهملة جمع نطاق: حبال يشد بعضها فوق بعض يشد بها أوسط الناس، يعني أنه صلى الله عليه وسلم مرتفع ومتوسط في عشيرته صلى الله عليه وسلم حتى جعلهم تحته بمنزلة أوساط الحبال.
والمراد ببيته صلى الله عليه وسلم شرفه، أي حتى احتوى شرفك الشاهد بفضلك على مكان من بيت خندف.
والأفق بضم الهمزة والفاء وسكون الفاء أيضا وهو الناحية.
وسبل الرشاد: طرقه وهو مجرور عطفا على ما قبله. [ ص: 74 ]