( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ) كان جمهور العرب لا يئدون بناتهم وكان بعض ربيعة ومضر يئدوهن وهو دفنهن أحياء ، فبعضهم يئد خوف العيلة والإقتار وبعضهم خوف السبي فنزلت هذه الآية في ذلك إخبارا بخسران فاعل ذلك ولما تقدم تزيين قتل الأولاد وتحريم ما حرموه في قولهم : هذه أنعام وحرث حجر . جاء هنا تقديم قتل الأولاد وتلاه التحريم ، وفي قوله : ( سفها بغير علم ) إشارة إلى خفة عقولهم وجهلهم بأن الله هو الرزاق والمقدر السبي وغيره ، ما رزقهم الله إظهارا لإباحته لهم فقابلوا إباحة الله بتحريمهم هم وما رزقهم الله يعم السوائب والبحائر والزروع ، وترتب على قتلهم أولادهم الخسران معللا بالسفه والجهل وعلى تحريم ما رزقهم الخسران معللا بالافتراء ثم الإخبار بالضلال وانتفاء الهداية ; وكل واحدة من هذه السبعة سبب تام في حصول الذم ، فأما الخسران فلأن الولد نعمة عظيمة من الله فإذا سعى في إبطال تلك النعمة والهبة فقد خسر واستحق الذم في الدنيا بقولهم : قتل ولده خوف أن يأكل معه وفي الآخرة العقاب لأن ثمرة الولد المحبة ، ومع حصولها ألحق به أعظم المضار وهو القتل كان أعظم الذنوب فيستحق أعظم العقاب ، وأما السفه وهي الخفة المذمومة فقتل الولد لخوف الفقر وإن كان ضررا فالقتل أعظم منه ; وأيضا فالقتل ناجز والفقر موهوم ، وأما الجهل فيتولد عنه السفاهة والجهل أعظم القبائح ، وأما تحريم ما أحل الله فهو من أعظم الجنايات ، وأما الافتراء فجراءة على الله وهو من أعظم الذنوب ، وأما الضلال فهو أن لا يرشدوا في مصالح الدنيا ولا الآخرة ، وأما انتفاء الهداية فتنبيه على أنهم لم يكونوا قط فيما سلكوه من ذلك ذوي هداية . وقرأ الحسن والسلمي وأهل مكة والشام ومنهما [ ص: 234 ] ابن كثير وابن عامر : ( قتلوا ) بالتشديد . وقرأ اليماني : سفهاء على الجمع .