( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) والطيب الجيد الترب الكريم الأرض ، ( والذي خبث ) المكان السبخ الذي لا ينبت ما ينتفع به ، وهو الرديء من الأرض ، ولما قال : ( فأخرجنا به من كل الثمرات ) تمم هذا المعنى بكيفية ما يخرج من النبات من الأرض الكريمة والأرض السبخة وتلك عادة الله في إنبات الأرضين ، وفي الكلام حال محذوفة ، أي : يخرج نباته وافيا حسنا وحذفت لفهم المعنى ولدلالة ( والبلد الطيب ) عليها ولمقابلتها بقوله : ( إلا نكدا ) ولدلالة ( بإذن ربه ) ؛ لأن ما أذن الله في إخراجه لا يكون إلا على أحسن حال و ( بإذن ربه ) في موضع الحال ، وخص خروج نبات الطيب بقوله : ( بإذن ربه ) على سبيل المدح له والتشريف ، ونسبة الإسناد الشريفة الطيبة إليه تعالى وإن كان كلا النباتين يخرج بإذنه تعالى ، ومعنى ( بإذن ربه ) بتيسيره وحذف من الجملة الثانية الموصوف أيضا ، والتقدير والبلد الذي خبث لدلالة ( والبلد الطيب ) عليه فكل من الجملتين فيه حذف وغاير بين الموصولين فصاحة وتفننا ففي الأولى قال : ( الطيب ) وفي الثانية قال : ( الذي خبث ) وكان إبراز الصلة هنا فعلا بخلاف الأول لتعادل اللفظ يكون ذلك كلمتين الكلمتين في قوله : ( والبلد الطيب ) والطيب والخبيث متقابلان في القرآن كثيرا ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ) و ( يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) ( أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث ) إلى غير ذلك ، والفاعل في ( لا يخرج ) عائد على ( الذي خبث ) ، وقد قلنا إنه صفة لموصوف محذوف ، والبلد لا يخرج فيكون على حذف مضاف إما من الأول ، أي : ونبات الذي خبث ، أو من الثاني ، أي : لا يخرج نباته فلما حذف استكن الضمير الذي كان مجرورا ؛ لأنه فاعل ، وقيل : هاتان الجملتان قصد بهما التمثيل ، فقال ، ابن عباس وقتادة : مثال لروح المؤمن يرجع إلى جسده سهلا طيبا كما خرج إذا مات ولروح الكافر لا يرجع [ ص: 319 ] إلا بالنكد كما خرج إذ مات . انتهى . فيكون هذا راجعا من حيث المعنى إلى قوله : ( كذلك نخرج الموتى ) ، أي : على هذين الوصفين .
وقال مثال للقلوب لما نزل القرآن كنزول المطر على الأرض ، فقلب المؤمن كالأرض الطيبة يقبل الماء وانتفع بما يخرج ، وقلب الكافر كالسبخة لا ينتفع بما يقبل من الماء ، وقال السدي النحاس : هو مثال للفهيم والبليد ، وقال : وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه من المكلفين ولمن لا يؤثر فيه شيء من ذلك وعن الزمخشري مجاهد ذرية آدم خبيث وطيب ، وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر المطر وإنزاله بالبلد الميت ، وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد . انتهى . والأظهر ما قدمناه من أن المقصود التعريف بعبادة الله تعالى في إخراج النبات في الأرض الطيبة والأرض الخبيثة دون قصد إلى التمثيل بشيء مما ذكروا ، وقرأ ، ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر ( يخرج نباته ) مبنيا للمفعول ، وقرأ ابن القعقاع ( نكدا ) بفتح الكاف ، قال : وهي قراءة الزجاج أهل المدينة ، وقرأ ابن مصرف بسكونها وهما مصدران ، أي : ذا نكد ، وكون نبات الذي خبث محصورا خروجه على حالة النكد مبالغة شديدة في كونه لا يكون إلا هكذا ولا يمكن أن يوجد ( إلا نكدا ) وهي إشارة إلى من استقر فيه وصف الخبيث يبعد عنه النزوع إلى الخير .
( كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون ) ، أي : مثل هذا التصريف والترديد والتنويع ننوع الآيات ونرددها وهي الحجج الدالة على الوحدانية والقدرة الباهرة التامة والفعل بالاختيار ، ولما كان ما سبق ذكره من إرسال الرياح منتشرات ومبشرات سببا لإيجاد النبات الذي هو سبب وجود الحياة وديمومتها كان ذلك أكبر نعمة الله على الخلق فقال : ( لقوم يشكرون ) ، أي : هذه النعمة التي لا يكاد توازنها نعمة ، وخص الشاكرين لأنهم هم المنتفعون بهذه النعم على ما ينبغي ، وهم الذين ينتفعون بالآيات وتصريفها ؛ لأن من لا يفكر في النعم لا يشكر ولا ينتفع بالآيات . وقرئ يصرف بالياء مراعاة للغيبة في قوله : ( بإذن ربه ) .