الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            القول في قراءة القرآن بالألحان :

                                                                                                                                            فصل : فأما القراءة بالألحان الموضوعة للأغاني ، فقد اختلف الناس فيها ، فرخصها قوم وأباحوها ، لرواية أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ليس منا من لم يتغن بالقرآن " .

                                                                                                                                            [ ص: 198 ] وشددها آخرون وحظروها ، لخروجها عن الزجر والعظة إلى اللهو والطرب .

                                                                                                                                            ولأنها خارجة عن عرف الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ، إلى ما استحدث من بعده .

                                                                                                                                            وقد قال صلى الله عليه وسلم : كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

                                                                                                                                            وأما الشافعي ، فإنه عدل عن هذين الإطلاقين في الحظر والإباحة باعتبار الألحان ، فإذا أخرجت ألفاظ القرآن عن صيغته ، بإدخال حركات فيه وإخراج حركات منه ، يقصد بها وزن الكلام وانتظام اللحن ، أو مد مقصور ، أو قصر ممدود ، أو مطط حتى خفي اللفظ ، والتبس المعنى ، فهذا محظور ، يفسق به القارئ ، ويأثم به المستمع ، لأنه قد عدل به عن نهجه إلى اعوجاجه ، والله تعالى يقول : قرءانا عربيا غير ذي عوج [ الزمر : 28 ] .

                                                                                                                                            وإن لم يخرجه اللحن عن صيغة لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحا ، لأنه قد زاد بألحانه في تحسينه وميل النفس إلى سماعه .

                                                                                                                                            أما قوله : ليس منا من لم يتغن بالقرآن " ففيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : معناه من لم يستغن بالقرآن ، وهذا قول الأصمعي ، ومال إليه الشافعي .

                                                                                                                                            وحكى زهير بن أبي هند ، عن إياس بن معاوية المزني ، أنه نظر إلى رجل يتغنى بالقرآن ، فقال : يا هذا إن كنت لا بد متغنيا فبالشعر ، فقال الرجل : أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ليس منا من لم يتغن بالقرآن ، فقال له إياس : إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم : ليس منا من لم يستغن بالقرآن ، ألم تسمع حديثه الآخر " من حفظ القرآن فظن أن أحدا أغنى منه . أما سمعت قول الشاعر :


                                                                                                                                            غنينا بذكر الله عما نراه في يد المتمولينا

                                                                                                                                            والتأويل الثاني : أنه محمول على غناء الصوت في تحسينه وتحزينه دون ألحانه .

                                                                                                                                            وهذا قول أبي عبيد ، وأنكر على من حمله على الاستغناء ، وقال : لو أراد هذا لقال : " من لم يتغان بالقرآن " .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية