الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن كان صاحب اليد قد أقر بها في الابتداء لغائب ، لم يخل حال المدعي من أن تكون له بينة أو لا بينة له ، فإن لم تكن له بينة كان الحكم موقوفا على قدوم الغائب ، والدار مقرة في يد صاحب اليد ، فإن طلب المدعي إحلاف صاحب اليد ، ففي إجابته إلى إحلافه ما قدمناه من القولين .

                                                                                                                                            فإن قيل : لا يمين عليه ، انقطعت الخصومة بينهما ، وكانت موقوفة على قدوم الغائب .

                                                                                                                                            وإن قيل : بوجوب اليمين عليه ، ففي كيفية يمينه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحلف أن الدار للغائب فلان ، لتكون يمينه موافقة لإقراره .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يحلف أنه لا حق لهذا المدعي فيها لتكون يمينه معارضة للدعوى .

                                                                                                                                            [ ص: 324 ] فإن حلف برئ من مطالبة الداعي ، وإن نكل أحلف المدعي ، وحكم له بقيمة الدار .

                                                                                                                                            فإن قدم الغائب المقر له ، كان له منازعته في الدار ، وإن صار إلى قيمتها ، فإن أفضى النزاع إلى الحكم بالدار للغائب ، استقر ملك المدعي على القيمة وإن أفضى إلى الحكم بالدار للمدعي أخذ برد القيمة على صاحب اليد ، لئلا يجمع بين ملك الدار وقيمتها .

                                                                                                                                            وإن كان لمدعي الدار بينة ، عند الإقرار بها للغائب سمعت بينته ، وقضي له بالدار .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا هل يكون ذلك قضاء على الغائب المقر له ، أو قضاء على صاحب اليد له ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه قضاء على الغائب المقر له ، فعلى هذا لا يحكم للمدعي بالبينة ، حتى يحلف معها لأن القضاء على الغائب يوجب إحلاف المدعي مع بينته ، لجواز أن يدعي الغائب انتقالها إليه ببيع أو هبة ، فيحلف بالله أن ما شهدت به شهود الحق وأنها لباقية على ملكه ، ويكون حلفه لصدق شهوده تبعا لحلفه ببقائها على ملكه ، ولولا ذاك لما حلف بصدق الشهود ، لأنه لا يلزمه إحلافه على صدقهم ولم يختلف قول الشافعي في جواز القضاء على الغائب ، وإن وهم المزني في كلامه أن قوله قد اختلف فيه ، وهو وهم منه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه قضاء على صاحب اليد الحاضر ، دون الغائب ، وهو الظاهر من كلام الشافعي ، لأنه قال : قضى له على الذي هي في يديه ، وإنما كان قضاء على الحاضر ، لأن الدعوى توجهت إليه ، فتوجه القضاء عليه .

                                                                                                                                            فعلى هذا يحكم بالدار للمدعي ببينته دون يمينه ، ونسب المروزي المزني إلى الغلط في هذا الموضع من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه جعل ذلك قضاء على الغائب ، وهو قضاء على الحاضر .

                                                                                                                                            والثاني : أنه وهم في تخريج القضاء على الغائب على قولين ، ولعمري أنه وهم فيما أوهم من القولين ، وهو فيما رآه من القضاء على الغائب محتمل ، فإذا قدم الغائب ، بعد الحكم بالدار للمدعي واعترف بها ونازع فيها وجرى عليه حكم منازع ذي يد ، لأنها انتزعت من يد منسوبة إليه ، واختار الشافعي للحاكم ، إذا حكم بالدار

                                                                                                                                            [ ص: 325 ] للمدعي ببينته أن يكتب في قضائه للمدعي صفة الحال ، وأنه حكم ببينته ، وأنه جعل الغائب فيها على حجته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية