الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو أقام شاهدا أنه سرق له متاعا من حرز يساوي ما تقطع فيه اليد ، حلف مع شاهده واستحق ، ولا يقطع لأن الحد ليس بمال ، كرجل قال : امرأتي طالق وعبدي حر إن كنت غصبت فلانا هذا العبد ، فيشهد له عليه بغصبه شاهد ، فيحلف ويستحق الغصب ولا يثبت عليه طلاق ولا عتق لأن حكم الحنث غير حكم المال " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وقد ثبت من مذهبنا أن الشاهد واليمين يحكم به في الأموال دون الحدود ، فإذا ادعى سرقة مال يوجب القطع ، وأقام عليها شاهدا ، ويمينا وجب الغرم ، وسقط القطع لأن الغرم مال والقطع حد ، ولا يمتنع إذا اجتمع في الدعوى أن يجري على كل واحد منهما حكمه لو انفرد وقد يجوز أن يثبت الغرم دون القطع إذا سرق من غير حرز ، أو سرق أقل من نصاب .

                                                                                                                                            ويجوز أن يثبت القطع دون الغرم ، إذا وهبت له السرقة فلم يمتنع أن يثبت بالشاهد واليمين الغرم دون القطع .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا أوجبتم بالشاهد واليمين في قتل العمد الدية ، دون القود ، لأن الدية مال ، والقود حد ، كما أوجبتم به في السرقة الغرم ، دون القطع قيل : لفرقين منعا من الجمع بينهما :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المال في السرقة أصل والقطع فرع فجاز أن يثبت حكم الأصل مع سقوط فرعه ، والقود في القتل أصل ، والدية فرع ، فلم يجز أن يثبت حكم للفرع مع سقوط أصله .

                                                                                                                                            والثاني : أن في قتل العمد قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه موجب للقود ، وأن الدية تجب بالعفو عن القود ، واختيار الدية ، فلذلك لم يستحق الدية إلا من يستحق القود .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن قتل العمد موجب لأحد الأمرين من القود أو الدية ، وأن كل [ ص: 85 ] واحد منهما بدل عن الآخر يكون مستحقه مخيرا في أحدهما فإذا امتنع استحقاقهما ، وثبوت الخيار فيهما امتنع وجوب أحدهما . وهذان الأمران معدومان في السرقة لجواز ثبوت الغرم دون القطع ، وثبوت القطع دون الغرم .

                                                                                                                                            وقد أوضح الشافعي ذلك بمثال ضربه في رجل ادعى عبدا في يد رجل غصبه عليه ، فحلف المدعى عليه بالعتق والطلاق أنه ما غصبه العبد الذي ادعاه ، فإن أقام مدعي الغصب شاهدين حكم على المدعى عليه بالغصب ، وحكم عليه بالحنث في الطلاق ، والعتاق ، ولو أقام عليه شاهدا وامرأتين أو شاهدا ويمينا حكم عليه بالغصب ، ولم يحكم عليه بالحنث في الطلاق والعتاق ، ولأن الغصب مال ، والطلاق والعتق ليسا بمال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية