الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وهو ما تضمنه اليمين من شروط النفي والإثبات ، فهو على ضربين : يمين على النفي تختص بالمدعى عليه ، يمين على الإثبات تختص بالمدعي . فأما يمين النفي ، فتجب على المدعى عليه على حكم الدعوى ، وهي أربعة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يدعى عليه دين في ذمته .

                                                                                                                                            والثاني : أن يدعى عليه عين في يده .

                                                                                                                                            والثالث : أن يدعى عليه دين في ذمة أبيه .

                                                                                                                                            والرابع : أن يدعى عليه عين في يد أبيه .

                                                                                                                                            فأما الضرب الأول : وهو أن يدعى عليه دين في ذمته ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون الدعوى مطلقة لم يقترن بها ذكر السبب كقوله : لي عليه ألف درهم ، ولا يذكر سبب استحقاقها ، فهي دعوى صحيحة . ولا يلزم سؤاله عن سببها ، فإن سأله الحاكم كان مخطئا ، ولم تلزمه إبانة السبب ، لأن تنوع الأسباب لا يوجب اختلاف الحقوق ، فتكون يمين المدعى عليه إذا أنكرها على البت ، فيقول : والله ما له علي هذه الألف ، ولا شيء منها بوجه ، ولا سبب .

                                                                                                                                            وقوله : ولا شيء منها ، شرط مستحق في يمينه ، لأنه ربما كان عليه بعضها ، فهو إذا حلف أنها ليست عليه بر في يمينه ، وإن وجب عليه باقيها ، وقوله : " بوجه ولا سبب " تأكيدا فإن أغفله جاز .

                                                                                                                                            ولو قال : والله إنه لا يستحق علي شيئا كان مجزئا ، ولم يلزمه أن يزيد عليه في [ ص: 120 ] يمينه ، والأولى أن يكون يمينه بحسب جوابه في إنكاره .

                                                                                                                                            فإن قال في الإنكار : ليس له علي ما ادعاه من هذه الألف ، ولا شيء منها كان جوابا مقابلا للدعوى ، وحلف على مثل جوابه : والله ما له علي هذا الألف ، ولا شيء منه . وإن قال : لا يستحق علي شيئا كان جوابا كافيا ، وحلف على مثل جوابه : والله ما يستحق علي شيئا ، فإن قال : والله ما له علي شيء كانت معلولة غير مقنعة ، لاحتمال ما له على جسدي شيء ، فإذا قال : لا يستحق علي شيئا انتفى هذا الاحتمال .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تكون الدعوى مقترنة بذكر السبب ، فيقول : لي عليه ألف قرض ، أو غصب ، أو ثمن مبيع ، أو قيمة متلف ، أو أرش جناية ، فيكون في الجواب على إنكاره مخيرا بين أن يعم بإنكاره ، فيقول : لا يستحق علي شيئا ، فيكون جوابه أوفى ، وتكون يمينه على البت بحسب جوابه : والله لا يستحق علي شيئا .

                                                                                                                                            فإن أراد الحاكم أن يحلفه : ما اقترض منه ألفا ولا غصبه ألفا - لم يجز ، لأنه قد يجوز أن يكون اقترضها ثم قضاها ، فيحنث في يمينه ، وإن لم يجب عليه ، فهذا أحد خياريه في الإنكار .

                                                                                                                                            والخيار الثاني : أن يقتصر في إنكاره على ذكر السبب ، فيقول : ما اقترضت منه ولا غصبت منه شيئا ، فيقنع منه بهذا الجواب ، ولو قال : ما اقترضت منه ألفا ، ولا غصبته ألفا لم يقنع حتى يقول : ولا شيئا منها ، لجواز أن يكون قد اقترض أو غصب بعضها .

                                                                                                                                            فإذا اقتصر على ذكر السبب ، فقد اختلف أصحابنا في صفة إحلافه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الحاكم يحلفه قطعا على العموم ، فيقول : والله إنه لا يستحق علي شيئا احترازا من أن يكون قد غصب أو اقترض ثم قضى .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يحلفه قطعا بالله إنه ما اقترضها ، ولا غصبها ، ولا شيئا منها ، لأن احتمال القضاء قد ارتفع عنها بقوله : ما اقترضت ولا غصبت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية