الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الحالة الرابعة : وهو أن تكون الدار في يد أجنبي ، فلا تخلو يده من

                                                                                                                                            أربعة أحوال :

                                                                                                                                            إحداها : أن يكون نيابة عن البائع ، فيكون على ما قدمناه في يد البائع .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون نيابة عن أحد المشتريين ، فيكون على ما قدمناه في يد أحدهما .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون نيابة عنهما ، فيكون على ما قدمناه في أيديهما .

                                                                                                                                            والحالة الرابعة : أن يكون لنفسه غير ثابت فيها عن غيره فلا تتوجه الدعوى عليه في البيع ، لأنه منسوب إلى غيره ، ولا توجب بينة واحد منهما انتزاع الدار من يده ، لأن بيع غيره للدار لا يجعله مالكا لها وصاحب اليد أحق بالدار من بائعها ، ولا تتوجه عليه مطالبة البائع بها ، لأن قيام البينة عليه بالبيع يمنع من أن يكون له فيها حق ، وسقط أن يكون للبائع عليه يمين ولا تتوجه إليه مطالبة واحد من المشتريين بها ، لأنه يدعي ملكها ، عن البائع ، وليس للبائع المطالبة بها ، فكان أولى أن لا يطالب بها النائب عنه ، فتسقط المطالبة عن صاحب اليد ، لأجل البينة ، ولا يمين عليه لواحد منهم ، ويرجع كل واحد من المشتريين على البائع بالثمن الذي شهدت به بينته ، فإذا حكم بإبطال [ ص: 355 ] البيعين ، وأخذ البائع برد الثمنين جاز له أن يستأنف الدعوى ، وهذا كله إذا لم يكن في البينة الشاهدة بالبيع شهادة للبائع ، بملك المبيع ، فأما إذا شهدت له بملك ما باع ، فإن عارضهما صاحب اليد ببينته ، كانت بينة صاحب اليد أولى ، لأنها بينة داخل قد تلتها بينة خارج ، وإن لم تكن لصاحب اليد بينة رفعت يده ، وثبت أن البائع باع ملكه ، وإن كانت الشهادة بملكه في إحدى البينتين حكم بالبيع ، دون الملك ورجع بالثمن وبطل حكم التعارض فيهما .

                                                                                                                                            وإن شهدت بينة كل واحد منهما بالملك والبيع ، ثبت حكم التعارض فيهما ، وكان على الأقاويل الثلاثة ، وقد أطلنا هذه المسألة باستيفائها ، لأنها من الأصول في الدعاوى .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولو أقام بينة أنه اشترى هذا الثوب من فلان وهو ملكه بثمن مسمى ونقده ، وأقام الآخر البينة أنه اشتراه من فلان وهو يملكه بثمن مسمى ونقده ، فإنه يحكم به للذي هو في يديه لفضل كينونته ( قال المزني : ) وهذا يدل على ما قلت من قوله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذه المسألة الثانية التي يجتمع فيها بائعان ، ومشتريان وصورتها أن يتنازع رجلان في ثوب ، يدعي أحدهما أنه اشتراه من زيد ، وهو مالكه بثمن سماه ونقده إياه ، ويقيم على ذلك بينة بالملك والبيع ، ويدعي الآخر أنه اشتراه من عمرو ، وهو مالكه بثمن سماه ونقده إياه ، ويقيم على ذلك بينة بالملك والبيع ، فلا يخلو الثوب من خمسة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون في يد أحد المتبايعين .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون في أيديهما .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون في يد أحد المشتريين .

                                                                                                                                            والرابع : أن يكون في أيديهما .

                                                                                                                                            والخامس : أن يكون في يد أجنبي .

                                                                                                                                            فأما الحالة الأولى : وهو أن يكون الثوب في يد أحد المتبايعين فبينته أرجح وجها واحدا ، لأنها بينة داخل تندفع بها بينة خارج فيصح بيعه ، ويؤخذ بتسليم الثوب إلى مشتريه منه ، ويبطل بيع الآخر ، ويؤخذ برد الثمن على مشتريه منه ، ولا يمين للبائع الآخر ، ولا للمشتري على من ترجحت بينته من البائع والمشتري ، لأن الحكم ثبت لهما بالبينة ، ترجيحا باليد ولا يمين مع البينة .

                                                                                                                                            [ ص: 356 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية