الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وكذلك يشهد على عين المرأة ونسبها إذا تظاهرت له الأخبار ممن يصدق بأنها فلانة ورآها مرة وهذا كله شهادة بعلم كما وصفنا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا أراد أن يشهد بنسب امرأة كانت الشهادة أغلظ منها في نسب الرجل ، لبروز الرجل وخفر المرأة ، وإباحة النظر إلى الرجل ، وتحريمه في المرأة ، فصارت بهذين الأمرين أغلظ فاحتاج في العلم بنسبها إلى أمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : معرفة عينها بالمشاهدة على وجه مباح ، وقد يكون ذلك من أحد وجوه : منها أن يراها في صغرها ، وقبل بلوغها في حالة لا يحرم النظر إليها ، فيثبت معرفة عينها في الصغر حتى لم تخف عليه في الكبر .

                                                                                                                                            ومنها أن تكون من ذوي محارم يستبيح النظر إليهن فيعرفها بالمشاهدة والنظر .

                                                                                                                                            ومنها أن يكثر دخولها على نساء أهله فيقلن له هذه فلانة ، فيعرف شخصها بما يتفق له من نظرة بعد نظرة لم يقصدها ، فيصير عارفا بها .

                                                                                                                                            فأما معرفة كلامها ، فلا يصير به عارفا لها لاشتباه الأصوات ، ومنها أن يتعمد النظر إليها حتى يعرفها ، فهذا موجب لمعرفتها ، لكن إن نظر إلى ما يجاوز وجهها وكفيها كان فسقا ترد به شهادته إلا أن يتوب ، فتقبل وإن نظر إلى وجهها متعمدا لإقامة الشهادة عليها بعد معرفتها كان على عدالته فتقبل شهادته ، وإن نظر إلى وجهها عمدا لشهوة كان فسقا ترد به شهادته ، وإن تعمد النظر إليها لغير شهوة ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي : " لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك " فيه تأويلان يختلف حكم عدالته باختلافهما :

                                                                                                                                            [ ص: 45 ] أحدهما : يريد لا تتبع نظر عينيك نظر قلبك ، فعلى هذا لا يأثم بالنظر لغير شهوة فيكون على عدالته .

                                                                                                                                            والتأويل الثاني : لا تتبع النظرة الأولى التي وقعت سهوا بالنظرة الثانية التي توقعها عمدا ، فعلى هذا يكون بمعاودة النظر آثما يخرج به من العدالة ، فلا تقبل شهادته إلا بعد التوبة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية