الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ القول في شهادة الصبي والعبد والكافر والفاسق ] .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا شهد صبي أو عبد أو نصراني بشهادة ، فلا يسمعها واستماعه لها تكلف ، وإن بلغ الصبي وأعتق العبد وأسلم النصراني ثم شهدوا بها بعينها ، قبلتها ، فأما البالغ المسلم أرد شهادته في الشيء ثم يحسن حاله ، فيشهد بها ، فلا أقبلها لأنا حكمنا بإبطالنا وجرحه فيها ، لأنه من الشرط أن لا يختبر عمله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على فصلين : مشتبهين في الصورة مختلفين في الحكم :

                                                                                                                                            فأحدهما : أن يشهد صبي قبل بلوغه ، أو عبد قبل عتقه ، أو نصراني قبل إسلامه بشهادة ، فيردهم الحاكم فيها ، ثم يبلغ الصبي ويعتق العبد ، ويسلم النصراني ، فيشهدوا بتلك الشهادة التي ردوا فيها عند ذلك الحاكم أو عند غيره ، قبلت بعد تقدم الرد .

                                                                                                                                            وقال مالك : لا أقبلها بعد ردها .

                                                                                                                                            والفصل الثاني : ترد شهادة الفاسق ، ويشهد بها بعد زوال الفسق .

                                                                                                                                            أن يشهد بالغ حر مسلم بشهادة ، فيردها الحاكم بالفسق ، ثم تحسن حاله ويصير عدلا ، فيشهد بتلك الشهادة عند ذلك الحاكم أو عند غيره ، ردت ولم تقبل : وقال أبو ثور ، وأبو إبراهيم المزني : تقبل ولا ترد .

                                                                                                                                            فسوى مالك بين الفصلين في الرد ، وسوى أبو ثور والمزني بينهما في القبول .

                                                                                                                                            [ ص: 214 ] ومذهب الشافعي أنها تقبل إذا ردت بالصغر والرق والكفر ، ولا تقبل إذا ردت بالفسق لوقوع الفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن حدوث البلوغ والعتق والإسلام يقين ، وحدوث العدالة مظنون .

                                                                                                                                            والثاني : أن الصغر والرق والكفر ظاهر يمنع من سماع الشهادة ، فصارت مردودة بغير حكم . والفسق باطن فصار ردها فيه بحكم .

                                                                                                                                            لو فرق على هذا الفرق بين ردها بالفسق الظاهر فتقبل ، وبين ردها بالفسق الباطن فلا تقبل ، لكان وجها لأن الفسق الظاهر لا يحتاج إلى اجتهاد ، فصار مردودا بغير حكم كالكفر والرق والصغر ، والفسق الباطن يفتقر إلى اجتهاد فصار مردودا بالحكم ، وما نفذ فيه الحكم باجتهاد لم يجز أن ينقض باجتهاد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية