فصل : وأما بجنايته وعدوانه فعليه ضمانه : لأن الأمانات تضمن بالجنايات وإن تلف بغير جنايته ولا عدوانه ، ففي وجوب ضمانه قولان : الأجير المشترك فإن تلف المال في يده
أحدهما : أنه ضامن وقبضه قبض ضمان وبه قال مالك ، وابن أبي ليلى وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وروي نحوه عن علي ، وعمر ، ووجهه مما روى خلاس بن عمرو وقال : كان علي كرم الله وجهه يضمن الأجير ويقول : هذا يصلح الناس ، ولأنه تصرف في ملك غيره لمنفعة نفسه فوجب أن يكون من ضمانه كالمستعير ؛ ولأن الأجرة ترجع إليه فوجب أن يكون الضمان عليه كالمؤجر المستحق لأجرتها ، كذلك الأجير يجب أن يكون عليه ضمان المال : لأن الأجرة صائرة إليه ، فعلى هذا يكون كالعارية وفي كيفية ضمانها وجهان :
أحدهما : يضمن قيمته وقت التلف .
والثاني : أكثر ما كان قيمته من وقت القبض إلى وقت التلف .
والقول الثاني : أنه لا ضمان عليه وقبضه قبض أمانة .
وبه قال عطاء وطاوس ، وهذا أصح القولين واختاره المزني .
وقال أبو حنيفة : إن تلف بغير فعل الأجير لم يضمنه ، وإن تلف بفعله ضمنه ، سواء كان فعله عدوانا أم لا ، فأما الأجرة فلا يستحقها الأجير وإن عمل ، سواء ضمن أو لم يضمن : لأن عمله تلف في يد نفسه لا في يد مستأجره بخلاف المنفرد ، والدليل على سقوط الضمان عنه [ ص: 427 ] هو أن الأصول موضوعة على أن من أخذ مال غيره لمنفعة نفسه ضمنه كالمقترض ، والمستعير أخذه لمنفعة مالكه لم يضمنه كالمودع ، ومن أخذه لمنفعة مشتركة بينه وبين مالكه كالمضارب والمرتهن فلا يضمن إلا بالتعدي ، كذلك الأجير أخذ المال لمنفعة نفسه ومنفعة مالكه فوجب أن لا يضمنه . ولأن عقد الإجارة لما جعل يد المستأجر يد أمانة وجب أن يجعل يد الأجير يد أمانة ؛ ولأنه لما كان أحد الأجيرين وهو المنفرد مؤتمنا وجب أن يكون الأجير المشترك مؤتمنا .