مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " والتعزير ليس بحد يجب بكل حال ، وقد يجوز تركه ، ولا يأثم من تركه . قد فعل غير شيء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير حد ، فلم يضرب فيه من ذلك الغلول وغيره ، ولم يؤت بحد قط فعفاه ، وبعث
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى امرأة في شيء بلغه عنها فأسقطت ، فقيل له : إنك مؤدب فقال له
علي رضي الله عنه : إن كان اجتهد فقد أخطأ ، وإن كان لم يجتهد فقد غش . عليك الدية فقال
عمر : عزمت عليك أن لا تجلس حتى تضربها على قومك ، فبهذا قلنا خطأ الإمام
على عاقلته دون بيت المال " .
[ ص: 435 ] قال
الماوردي : وهذا كما قال .
nindex.php?page=treesubj&link=10568تعزير الإمام لمستحق التعزير مباح وليس بواجب ، فإن حدث عنه تلف كان مضمونا . وقال
أبو حنيفة : التعزير واجب لا يضمن ما حدث عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
جنب المؤمن حمى فلم يجز استباحة ما حظر منه بما ليس بواجب . قال : ولأنه انتهاك عرض محظور فاقتضى أن يكون واجبا كالحدود ، ودليلنا عفو النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كثير من مستحقيه ، ولم يعف عن واجب من الحدود ،
وقال حين سئل العفو عن حد : لا عفا الله عني إن عفوت فمما عفا عنه من التعزير أنه أتى ، وقد حظر الغلول برجل قد غل من الغنيمة ، فلم يعزره
nindex.php?page=hadith&LINKID=923427وقال له رجل وهو يقسم الصدقات : اعدل يا رسول الله فتمعر وجهه وقال : ثكلتك أمك إذا لم أعدل فمن يعدل ، ولم يعزره ، وفيه أنزل الله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=58ومنهم من يلمزك في الصدقات [ التوبة : 58 ] .
nindex.php?page=hadith&LINKID=923428وتنازع الزبير بن العوام ورجل من الأنصار شربا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اسق يا زبير ، ثم أرسل إلى جارك .
فقال الأنصاري : إنه ابن عمتك فنسبه إلى الميل والتحيف ، فلم يعزره وفيه أنزل الله سبحانه : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم [ النساء : 65 ] ، ففارق بعفوه عن التعزير ما حظره من العفو عن الحدود ، فدل على افتراقهما في الوجوب ، ولأنه ضرب غير محدود الطرفين فلم يكن واجبا كضرب المعلم والزوج ، وأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - :
جنب المؤمن حمى فهو أن الاستدلال به على إسقاط الوجوب أصح : لأنه أبلغ في حمى جنبه من وجوبه . وأما القياس فباطل بضرب الزوج ثم المعنى في الحد أنه لما لم يصح العفو عنه وجب .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَالتَّعْزِيرُ لَيْسَ بِحَدٍّ يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَقَدْ يَجُوزُ تَرْكُهُ ، وَلَا يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهُ . قَدْ فَعَلَ غَيْرَ شَيْءٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ حَدٍّ ، فَلَمْ يَضْرِبْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْغُلُولُ وَغَيْرُهُ ، وَلَمْ يُؤْتَ بِحَدٍّ قَطُّ فَعَفَاهُ ، وَبَعَثَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى امْرَأَةٍ فِي شَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهَا فَأَسْقَطَتْ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّكَ مُؤَدِّبٌ فَقَالَ لَهُ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنْ كَانَ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّ . عَلَيْكَ الدِّيَةُ فَقَالَ
عُمَرُ : عَزَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَجْلِسَ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قَوْمِكَ ، فَبِهَذَا قُلْنَا خَطَأُ الْإِمَامِ
عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ " .
[ ص: 435 ] قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ .
nindex.php?page=treesubj&link=10568تَعْزِيرُ الْإِمَامِ لِمُسْتَحِقِّ التَّعْزِيرِ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ، فَإِنْ حَدَثَ عَنْهُ تَلَفٌ كَانَ مَضْمُونًا . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : التَّعْزِيرُ وَاجِبٌ لَا يَضْمَنُ مَا حَدَثَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
جَنْبُ الْمُؤْمِنِ حِمًى فَلَمْ يَجُزِ اسْتِبَاحَةُ مَا حَظَرَ مِنْهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ . قَالَ : وَلِأَنَّهُ انْتِهَاكُ عِرْضٍ مَحْظُورٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا كَالْحُدُودِ ، وَدَلِيلُنَا عَفْوُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مُسْتَحِقِّيهِ ، وَلَمْ يَعْفُ عَنْ وَاجِبٍ مِنَ الْحُدُودِ ،
وَقَالَ حِينَ سُئِلَ الْعَفْوَ عَنْ حَدٍّ : لَا عَفَا اللَّهُ عَنِّي إِنْ عَفَوْتُ فَمِمَّا عَفَا عَنْهُ مِنَ التَّعْزِيرِ أَنَّهُ أَتَى ، وَقَدْ حَظَرَ الْغُلُولَ بِرَجُلٍ قَدْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ ، فَلَمْ يُعَزِّرْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=923427وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَاتِ : اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ فَمَنْ يَعْدِلُ ، وَلَمْ يُعَزِّرْهُ ، وَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=58وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [ التَّوْبَةِ : 58 ] .
nindex.php?page=hadith&LINKID=923428وَتَنَازَعَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ شِرْبًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اسْقِ يَا زُبَيْرُ ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ .
فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : إِنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ فَنَسَبَهُ إِلَى الْمَيْلِ وَالتَّحَيُّفِ ، فَلَمْ يُعَزِّرْهُ وَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [ النِّسَاءِ : 65 ] ، فَفَارَقَ بِعَفْوِهِ عَنِ التَّعْزِيرِ مَا حَظَرَهُ مِنَ الْعَفْوِ عَنِ الْحُدُودِ ، فَدَلَّ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا فِي الْوُجُوبِ ، وَلِأَنَّهُ ضَرْبٌ غَيْرُ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ وَالزَّوْجِ ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
جَنْبُ الْمُؤْمِنِ حِمًى فَهُوَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى إِسْقَاطِ الْوُجُوبِ أَصَحُّ : لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حِمَى جَنْبِهِ مِنْ وُجُوبِهِ . وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَبَاطِلٌ بِضَرْبِ الزَّوْجِ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْحَدِّ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَجَبَ .