فصل : وإن قلنا : إن ، فلا يخلو أن يشترط الثواب أو لا يشترطه ، فإن لم يشترطه لزمه بالعقد ، وفيه ثلاثة أقاويل : الثواب واجب ، والمكافأة مستحقة
أحدها : أن عليه أن يثيب ويكافئ حتى يرضى الواهب : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يكافئ الأعرابي حتى رضي .
والقول الثاني : عليه أن يكافئ بما يكون في العرف ثوابا لمثل تلك الهبة : لأن الرضا لا ينحصر ، فكان العرف أولى أن يعتبره .
[ ص: 551 ] والقول الثالث : عليه أن يكافئ بقدر قيمة الهبة ، لا يلزمه الزيادة عليها ، ولا يجزئه النقصان منها : لأن ما استحق فيه البدل إذا عدم المسمى رجع إلى القيمة اعتبارا بمهر المثل وقيم المتلفات ، فعلى هذا يكون الموهوب له بالخيار بين أن يكافئ في مقدار ما ذكرناه من الثواب وبين أن يرد الهبة ، ولا خيار للواهب في أحد الأمرين ، فإن رد الهبة لم يكن للواهب أن يطالبه بالثواب ، فإن ردها ناقصة فإن كان نقصها بفعله ضمنه للواهب ، وإن كان بغير فعله ففي ضمانه إياه وجهان أصحهما عليه ضمانه .
والثاني : لا يضمنه ، وإن ردها وقد زادت فإن كانت الزيادة لا تتميز كالطول والسمن أخذها الواهب زائدة : لأن ما لا يتميز من الزيادات تبع للأصل ، وإن كانت الزيادة متميزة فهي للموهوب له كالنتاج والثمرة لحدوثها على ملكه ، ولا يلزمه دفعها إلى الواهب وإن رد عليه الهبة ، وإن لم يرد الهبة وكافأه عليها بما ذكرناه من الثواب فيها ، فالواهب بالخيار بين أن يقبل المكافأة وبين أن لا يقبل ، ولا خيار له في استرجاع الهبة ، فإن قبل المكافأة ثم استحقت من يده ، فالموهوب له بالخيار بين أن يكافئه ثانية وبين أن يرد الهبة ، ولو استحقت الهبة دون المكافأة كان للموهوب له أن يرجع بالمكافأة ، فلو قال الواهب : أنا أهب لك مثل تلك الهبة ، ولا أرد المكافأة لم يكن ذلك له بخلاف استحقاق المكافأة ، فلو لم يكافئ الموهوب له عن نفسه وكافأه عنه غيره جاز ، ولا رجوع للواهب لوصول الثواب إليه ، ولا رجوع للمكافئ على الموهوب له بما أثاب عنه وكافأ : لأنه متطوع إلا أن يكافئ بأمره فيرجع عليه ، فلو لم يكافئه الموهوب له عن الهبة حتى تلفت في يده بغير فعله ففي وجوب الثواب عليه قولان :
أحدهما لا يجب عليه الثواب : لأنه إنما يجب عليه أن يكافئ ويثيب في الحال التي إن رد ولم يثب ، فعلى هذا تتلف غير مضمونة عليه .
والقول الثاني : أن الثواب واجب عليه لاستحقاقه بالعقد ، فإن أثاب ، وإلا ضمنها بالقيمة لتلفها عن بدل فائت .