مسألة : قال الشافعي : " ولو بمكة لم يجزئه بغيرها ولو نذر أن ينحره بغيرها لم يجزئه إلا حيث نذر ؛ لأنه وجب لمساكين ذلك البلد " . نذر أن ينحر
قال الماوردي : وأما نذر النحر فعلى ثلاثة أضرب :
أحدها : أن ينذر النحر لنفسه ، فلا ينعقد به النذر ، ولا يلزم فيه الوفاء ؛ لأن النذر ما اختص بالقربة ولا نذر فيما تجرد عنها ، وهذا عائد إليه فتجرد عن قربة فلم يلزم كما لو نذر أن يأكل طعاما أو يلبس ثوبا .
والضرب الثالث : أن ينذر نحره للمساكين ؛ فهذا نذر لازم لاختصاصه بالقربة ، فإن نذره لقوم معينين لم يجز أن يعدل إلى غيرهم ، ولزمه نحره قبل دفعه إليهم ، وإن دفعه حيا إليهم لم يجز لأمرين :
أحدهما : لما في إراقة دم الهدي من القربة .
والثاني : أنه جعل حقهم في لحمه ، ويدفع إليهم لحمه نيئا ولا يجوز أن يطبخ قبل دفعه إليهم ؛ لأن انتفاعهم به نيئا يصنعون به ما شاءوا أعم من انتفاعهم به [ ص: 480 ] مطبوخا ؛ فإن دفعه إليهم مطبوخا صار متعديا في حقهم ، فضمن لهم بين قيمته نيئا ومطبوخا إن كان الطبخ قد نقص منه ، وإن لم يتعين مستحقه من المساكين جاز أن يدفعه إلى من شاء منهم إن كانوا ثلاثة فصاعدا ، ويجوز أن يساوي بينهم ويفاضل ؛ فإن نذر نحره لأغنياء خاصة معينين ، أو غير معينين ، نظر فإن اقترن به نوع من القرب ، ليتأسى به الأغنياء في التوسع ؛ لزم نذره ، وإن تجرد عن القربة وقصد به المباهاة والتطول ، لم يلزم نذره فلو أطلق من نذر نحره لهم انصرف إلى الفقراء والمساكين دون الأغنياء ؛ لاختصاصهم بالقرب ، وجاز أن يصرف في ستة أصناف في مستحقي الزكاة من الفقراء ، والمساكين ، وفي الرقاب والغارمين ، وفي سبيل الله وابن السبيل ، وسقط منهم صنفان ، العاملون عليها ، والمؤلفة قلوبهم .
والضرب الثالث : أن يطلق نذر نحره فلا يجعله لنفسه ولا لغيره فيحمل مع الإطلاق على العرف المقصود بالنذر وعرف النذر متوجه إلى غيره ، فصار نذر نحره لغيره ، فينعقد النذر لازما .