فصل : وأما على اختلافهم يقولون : هذا الدار لفلان ، وهذه الضيعة لفلان ، وهذه الدابة لفلان ، وهذا العبد لفلان ، وهذا الثوب لفلان ، ويتكرر ذلك منهم على مرور الزمان ، لا يرى فيهم منكر لذلك ، ولا منازع فيه فتصح الشهادة بهذا الخبر المتظاهر بالملك دون سببه ، لأن الملك المطلق ، فيثبت بسماع الخبر الشائع المتظاهر بسمع الناس كثيرة تختلف ، فتكون تارة بالشراء ، وتارة بالميراث ، وأخرى بالهبة ، وأخرى بالوصية ، وأخرى بالإحياء ، وأخرى بالغنيمة ، فلما تنوعت أسبابه ، جاز إذا تظاهرت به الأخبار أن يشهد له بالملك المطلق دون سببه الذي صار به أسباب الملك مالكا ، لأن السبب يعلم بالمشاهدة ، فلم يجز أن يعمل فيه على الخبر المتظاهر ، وإن جاز أن يشهد بالملك المتظاهر إلا أن يكون سبب ملكه الميراث ، فيجوز أن يشهد فيه بالخبر [ ص: 27 ] المتظاهر ، لأن الميراث مستحق بالموت والنسب ، وكل واحد منهما يثبت بالخبر المتظاهر ، ولا يجوز فيما عداه من الأسباب ، كالشراء ، والهبة ، والإحياء ، لأنها تعلم بالمشاهدة ، واختلف أصحابنا مع تظاهر الخبر بملكه ، هل يصح أن يشهد به من غير أن يراه متصرفا فيه على وجهين :
أحدهما : لا يصح حتى يشاهد تصرفه فيه ، فيجمع الشاهد في العلم به بين السماع والمشاهدة ليصل إليه من أقصى جهاته الممكنة .
والوجه الثاني : وهو قول أكثرهم يجوز أن يشهد بسماع الخبر المتظاهر ، وإن لم يشاهد التصرف ، لأن الخبر المتظاهر أنفى للاحتمال من التصرف الذي قد يجوز أن يكون بملك وغير ملك ، وأصل الخبر المتظاهر فيه أن يكون من العدد المعتبر في التواتر ، ووهم أبو حامد فاعتبره بشاهدين على ما ذكرناه .