الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما تحلية المشهود عليه إذا كان مجهولا ، فقد أوجبها قوم لأنه يؤدي إلى المعرفة ، ومنع منها آخرون لأن الحلى قد يشتبه ، والذي عليه الجمهور أنه استظهار له باعثه على التذكر ، كالخط الذي يراد ليذكر الشهادة ، ولا يعول عليه في الأداء ، وإذا جازت التحلية استظهارا بها اشتمل الكلام فيها على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : ما يجوز أن يحلى فيه المقر به .

                                                                                                                                            والثاني : ما يجوز أن يحلى فيه المقر .

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول : فيما يجوز أن يحلى فيه المقر ، فالحقوق المقر بها على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : ما لا يحتاج إلى التحلية ، وهو الوصايا ، وما لا يلزم في العقود .

                                                                                                                                            والثاني : ما يحتاج فيه إلى التحلية ، وهي الديون ، والبراءات ، والحقوق المؤجلة .

                                                                                                                                            [ ص: 49 ] والثالث : ما لم يجر العرف فيه بالتحلية ، وإن جازت ، وهي عقود البياعات الناجزة ، والمناكح ، والوكالات .

                                                                                                                                            وأما الفصل الثاني : فيما يجوز أن يحلى به المقر ، فقد حده قوم بأنه ما يجوز أن يستدل به القائف في إلحاق النسب ، ومنعوا من التحلية بما يجوز أن يحدث من آثار ، وجراح ، أو يمكن أن يغير من شيب وشباب .

                                                                                                                                            وحده آخرون بأنه كل ما اشتهر به من أوصافه ، ومنعوا من تحليته ما لم يشتهر به ، والذي عليه الجمهور أن التحلية تكون بكل ما دلت على المحلى من أوصافه الظاهرة دون الباطنة ، فمنها الطول ، والقصر ، ومنها اللون من بياض أو سواد أو سمرة ، ومنها البدن من سمن أو هزال ، ومنها الكلام كاللثغة ، والفأفأة ، والتمتمة والردة وما في اللسان من العجلة والثقل ، ومنها ما في العين من الكحلة ، والشهلة ، والشكلة فقد قيل : إن الشكلة هي كمية الحمرة في بياض العين ، والشهلة كمية الحمرة في سواد العين ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في عينه شكلة ومنها الشعر في الجعودة والسبوطة ، وقيل : لا يحلى به لأنه قد يتصنع الناس تجعيد السبط وتسبيط الجعد ، وهذا ليس بشيء لأنه قد يعرف المصنوع من المخلوق ، ومنها سواد الشعر وبياضه ، وقيل : لا يحلى به لأن السواد قد يبيض والبياض قد يخضب ، وهذا ليس بشيء لأن بياض السواد يعلو السن ، قد بدل عليه تاريخ الشهادة ، وخضاب البياض يظهر للمتأمل ، واختلف في جواز التحلية بالصمم فجوزه قوم ، ومنع منه آخرون ، لأنه قد يكون من مرض فيزول .

                                                                                                                                            فأما التحلية بما في الفم من الأسنان ، فيجوز بما ظهر من الثنايا والأنياب ، ويمنع منها بما بطن من الأضراس ، وتجوز التحلية بالجراح ، والشجاج ، والآثار اللازمة ، ولا تجوز بالثياب واللباس ، وتجوز تحلية النساء بما في وجوههن ، وبما ظهر من طول وقصر وهزال أو سمن ، وتجوز تحلية المشهود له أيضا والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية