مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وليس الغريم ولا الموصى له من معنى الوارث في شيء وإن كانوا أولى بمال من عليه اليمين ، فليس من وجه أنهم يقومون مقامه ولا يلزمهم ما يلزم الوارث من نفقة عبيده الزمنى ، ألا ترى أنه لو ظهر مال سوى ماله الذي يقال للغريم : احلف عليه كان للورثة أن يعطوه من ذلك المال الطاهر الذي لم يحلف عليه الغريم قال وإذا حلف الورثة ، فالغرماء أحق بمال الميت " .
قال
الماوردي : ومقدمة هذه المسألة أن من
nindex.php?page=treesubj&link=27374_27378مات عن تركة ، وعليه دين ، ملك الورثة تركته ، وإن أحاط الدين بها ، ومنعوا من التصرف فيها ، إلا بعد قضاء الدين ، وهم في قضائه بالخيار بين أن يقضوه منها ، أو من غيرها من أموالهم ، وتكون التركة كالمرهونة بالدين ، والورثة فيها بمنزلة الراهن الذي يمنع من التصرف في الرهن ، حتى يقضي ما فيه من الدين ، إما من ماله أو من عين الرهن ، والدين باق في ذمة الميت ، دون الورثة حتى يقضيه الورثة ، وقال
أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا : إن أحاط الدين بالتركة لم يملكها الورثة إلا بعد قضاء الدين ، وكانت باقية على ملك الموروث فإذا قضوه انتقل ملكها إليهم ، وإن أحاط الدين ببعض التركة ، ملكوا من التركة ما زاد على قدر الدين ، ولم يملكوا ما أحاط بقدر الدين إلا بعد قضائه .
وقال
أبو حنيفة : إن أحاط الدين بجميع التركة ، لم يملكوها إلا بعد قضائه ، وإن أحاط ببعض التركة ملكوها جميعا ، قبل قضائه مع موافقتهما ، أن للورثة قضاء الدين من التركة ، ومن غير التركة ، واستدلا على أن الدين مانع من ملك الورثة للتركة ، إلا بعد قضائه ، وتأثير هذا الخلاف يكون من وجهين :
[ ص: 82 ] أحدهما : ما يحدث في التركة من النماء قبل قضاء الدين ، كالثمرة ، والنتاج وأجور العقار ، وكسب العبيد ، يكون ملكا للورثة على قول من جعلهم مالكين للتركة ، لا يتعلق به قضاء الدين ويكون مضموما إلى التركة على قول من جعلهم غير مالكين لها في قول من جعلها باقية على ملك الميت ليتعلق بها قضاء الدين .
والثاني : ما يجب فيه من زكاة الأعيان وفطرة العبيد ، ونفقاتهم تكون على الورثة في قول من جعلهم مالكين للتركة ، وتكون في التركة على قول من لم يجعلهم مالكين للتركة .
واستدل من جعل الدين مانعا من ملك الورثة للتركة ، إلا بعد قضائه بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11من بعد وصية يوصي بها أو دين [ النساء : 11 ] . ولأنه لو كان في التركة أب الوارث لم يعتق عليه قبل قضاء الدين ، مثل أن يكون الميت ملك عمه ، وخلف ابن عمه حرا ، وأباه مملوكا فلا يعتق على أبيه حتى يقضي الدين ، فيعتق عليه .
ولو دخل في ملكه قبل قضائه ، أعتق عليه ، وهذا دليل يمنع من دخول التركة في ملك الورثة قبل قضاء الدين . والدليل على انتقال الملك إلى الورثة قبل قضاء الدين ، أنه لما كان للورثة منع الغرماء من أعيان التركة ، وقضاء الديون من أموالهم ، دل ذلك على دخولها في ملكهم ، ولأن الورثة لو لم يملكوا التركة إلا بعد قضاء الدين ، لوجب إذا مات وخلف ابنين ، ومات أحدهما وخلف ابنا ، ثم قضى الدين أن تكون التركة ، للابن الباقي دون ابن الابن .
وفي انعقاد الإجماع على أنها تكون للابن وابن الابن اعتبارا بموت المورث - دليل على انتقال التركة إليهم بموته ، ولأنه لما كان الورثة أحق باقتضاء ديونه من الغرماء ، وكانوا أولى بالتصرف في التركة منهم ، وهم لا يتصرفون إلا بحكم الملك ، دل على انتقالها إلى ملكهم .
وأما الجواب عن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11من بعد وصية يوصي بها أو دين فهو محمول على المنع من التصرف في حقوق أنفسهم إلا بعد قضائه .
وأما الجواب عن العتق ، فهو أن الدين قد أوقع حجرا عليه كحجر المرتهن وذلك مانع من العتق مع استقرار الملك كالرهن .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " وَلَيْسَ الْغَرِيمُ وَلَا الْمُوصَى لَهُ مِنْ مَعْنَى الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ وَإِنْ كَانُوا أَوْلَى بِمَالِ مَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ، فَلَيْسَ مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ مَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ مِنْ نَفَقَةِ عَبِيدِهِ الزَّمْنَى ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ مَالٌ سِوَى مَالِهِ الَّذِي يُقَالُ لِلْغَرِيمِ : احْلِفْ عَلَيْهِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الطَّاهِرِ الَذِي لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ قَالَ وَإِذَا حَلَفَ الْوَرَثَةُ ، فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِمَالِ الْمَيِّتِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27374_27378مَاتَ عَنْ تَرِكَةٍ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، مَلَكَ الْوَرَثَةُ تَرِكَتَهُ ، وَإِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِهَا ، وَمُنِعُوا مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا ، إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَهُمْ فِي قَضَائِهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْضُوهُ مِنْهَا ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَتَكُونُ التَّرِكَةُ كَالْمَرْهُونَةِ بِالدَّيْنِ ، وَالْوَرَثَةُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ الَّذِي يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ ، حَتَّى يَقْضِيَ مَا فِيهِ مِنَ الدَّيْنِ ، إِمَّا مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ ، وَالدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ، دُونَ الْوَرَثَةِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الْوَرَثَةُ ، وَقَالَ
أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا : إِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِالتَّرِكَةِ لَمْ يَمْلِكْهَا الْوَرَثَةُ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَكَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الْمَوْرُوثِ فَإِذَا قَضَوْهُ انْتَقَلَ مِلْكُهَا إِلَيْهِمْ ، وَإِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِبَعْضِ التَّرِكَةِ ، مَلَكُوا مِنَ التَّرِكَةِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ ، وَلَمْ يَمْلِكُوا مَا أَحَاطَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ إِلَّا بَعْدَ قَضَائِهِ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ ، لَمْ يَمْلِكُوهَا إِلَّا بَعْدَ قَضَائِهِ ، وَإِنْ أَحَاطَ بِبَعْضِ التَّرِكَةِ مَلَكُوهَا جَمِيعًا ، قَبْلَ قَضَائِهِ مَعَ مُوافَقَتِهِمَا ، أَنَّ لِلْوَرَثَةِ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ ، وَمِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ ، وَاسْتَدَلَّا عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ مَانِعٌ مِنْ مِلْكِ الْوَرَثَةِ لِلتَّرِكَةِ ، إِلَّا بَعْدَ قَضَائِهِ ، وَتَأْثِيرُ هَذَا الْخِلَافِ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
[ ص: 82 ] أَحَدُهُمَا : مَا يَحْدُثُ فِي التَّرِكَةِ مِنَ النَّمَاءِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، كَالثَّمَرَةِ ، وَالنَّتَاجِ وَأُجُورِ الْعَقَارِ ، وَكَسْبِ الْعَبِيدِ ، يَكُونُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُمْ مَالِكِينَ لِلتَّرِكَةِ ، لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَضَاءُ الدَّيْنُ وَيَكُونُ مَضْمُومًا إِلَى التَّرِكَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُمْ غَيْرَ مَالِكِينَ لَهَا فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَهَا بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لِيَتَعَلَّقَ بِهَا قَضَاءُ الدَّيْنِ .
وَالثَّانِي : مَا يَجِبُ فِيهِ مِنْ زَكَاةِ الْأَعْيَانِ وَفِطْرَةِ الْعَبِيدِ ، وَنَفَقَاتُهُمْ تَكُونُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُمْ مَالِكِينَ لِلتَّرِكَةِ ، وَتَكُونُ فِي التَّرِكَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُمْ مَالِكِينَ لِلتَّرِكَةِ .
وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ الدَّيْنَ مَانِعًا مِنْ مِلْكِ الْوَرَثَةِ لِلتَّرِكَةِ ، إِلَّا بَعْدَ قَضَائِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [ النِّسَاءِ : 11 ] . وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ أَبُ الْوَارِثِ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ مَلَكَ عَمَّهُ ، وَخَلَّفَ ابْنَ عَمِّهِ حُرًّا ، وَأَبَاهُ مَمْلُوكًا فَلَا يُعْتَقُ عَلَى أَبِيهِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ قَضَائِهِ ، أُعْتِقَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ التَّرِكَةِ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ إِلَى الْوَرَثَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْوَرَثَةِ مَنْعُ الْغُرَمَاءِ مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ ، وَقَضَاءُ الدُّيُونِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِمْ ، وَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ لَمْ يَمْلِكُوا التَّرِكَةَ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ، لَوَجَبَ إِذَا مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ ، وَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا ، ثُمَّ قَضَى الدَّيْنَ أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ ، لِلِابْنِ الْبَاقِي دُونَ ابْنِ الِابْنِ .
وَفِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ لِلِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ اعْتِبَارًا بِمَوْتِ الْمُورِّثِ - دَلِيلٌ عَلَى انْتِقَالِ التَّرِكَةِ إِلَيْهِمْ بِمَوْتِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَرَثَةُ أَحَقَّ بِاقْتِضَاءِ دُيُونِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ ، وَكَانُوا أَوْلَى بِالتَّصَرُّفِ فِي التَّرِكَةِ مِنْهُمْ ، وَهُمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ إِلَّا بِحُكْمِ الْمِلْكِ ، دَلَّ عَلَى انْتِقَالِهَا إِلَى مِلْكِهِمْ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِ أَنْفُسِهِمْ إِلَّا بَعْدَ قَضَائِهِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْعِتْقِ ، فَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ أَوْقَعَ حَجْرًا عَلَيْهِ كَحَجْرِ الْمُرْتَهِنِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنَ الْعِتْقِ مَعَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ كَالرَّهْنِ .