الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال وعلى أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا ، قال : فإذا حدث ولد ، نقص من له حق في الحبس ، ويوقف حق المولود حتى يبلغ ، فيحلف ، فيأخذ أو يدع ، فيبطل حقه ، ويرد كراء ما وقف له من حقه على الذين انتقصوا من أجله حقوقهم سواء بينهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذه المسألة موافقة لما تقدمها من وجه ، ومخالفة لها من وجه :

                                                                                                                                            وصورتها : أن يدعي واحد من ثلاثة إخوة أن أباهم وقف هذه الدار عليهم ، وعلى أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا ، فإذا انقرضوا فعلى الفقراء ، فجعل البطن الثاني في هذه المسألة مشاركا للبطن الأول ، وفي المسألة الأولى جعل البطن الثاني مترتبا بعد البطن الأول ، وهما فيما عدا ذلك على سواء .

                                                                                                                                            فإذا أقام بهذه الدعوى شاهدا ليحلفوا معه ، لم يخل حال الإخوة الثلاثة من أن يكون معهم من أولادهم أحدا أو لا يكون .

                                                                                                                                            فإن كان معهم من أولادهم واحد ، صاروا به في استحقاق الوقف أربعة ، لأنه يشاركهم فيه ، فلا يستحق نصيبه من الوقف إلا بيمينه ، ولا تغنيه يمين أبيه كما لا يستحقه أحد الثلاثة إلا بيمينه ، ولا يغنيه أيمان إخوته ، فإن حلف معهم قسم الوقف بينهم على أربعة أسهم ، وإن نكل سقط حقه ، وكان حكمه كحكم أحد الثلاثة إذا نكل مع يمين أخويه على ما قدمناه ، وإن لم يكن مع الإخوة الثلاثة عند ادعاء الوقف أحد من البطن الثاني ، وحلفوا مع شاهدهم استحقوا الوقف بينهم أثلاثا ، لأنه لا مشارك لهم فيه عند استحقاقهم .

                                                                                                                                            فإن ولد لهم ولد صار مشاركا لهم في الوقف ، وصار معهم رابعا ، فوجب أن يوقف به نصيبه من الوقف وهو الربع ، لأنه واحد من أربعة ، ويكون موقوفا على يمينه بعد بلوغه ، وإن كان في الوقف المرتب يأخذه في أصح الوجهين بغير يمين .

                                                                                                                                            والفرق بين الأمرين أنهم في الوقف المرتب بينهم وبين الواقف واسطة من البطن الأول قد ثبت الوقف بهم ، والبطن الثاني بدل منهم ، فانتقل إليهم من الوقف ما كان لهم .

                                                                                                                                            وإذا كان الوقف مشتركا ، فكل بطن فيه أصل بأنفسهم من غير وسيط بينهم ، وبين [ ص: 95 ] الواقف ، فكان حكم كل بطن فيه كحكم البطن الأول لا يسقط بأيمان بعضهم أيمان غيرهم . فإن قيل : فقد اعترف له شركاؤه بحقه فيه ، فلم يحلف عليه مع اعتراف مستحقيه كما لو اعترف ثلاثة شركاء في دار برابع أنه شريكهم فيها استحق سهمه فيها بغير يمين قيل : قد اختلف أصحابنا مع نص الشافعي ، على أن نصيب الحادث موقوف على يمينه بعد بلوغه على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : وهو قول أبي الفياض البصري أن الجواب محمول على أن الواقف شرط في وقفه أن من لم يقبله كان نصيبه على شركائه ، فلذلك حلف الحادث إن صدقه الشركاء ، لأنه يصير من أهله بقبوله ، وقبوله يكون بيمينه ، لأن سهمه إذا لم يقبل عائد عليهم ، ولو لم يشترط الواقف هذا استحق الحادث سهمه باعتراف شركائه بغير يمين كالدار المملوكة بين الشركاء الثلاثة ، إذا اعترفوا بشريك رابع فيها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول بعض البصريين أيضا أنه محمول على إطلاق الوقف إذا قيل : إن سهم من لم يقبل أو مات بعد قبوله ، ولم يكن له ولد - راجع على الشركاء ، فيستحلف الحادث ، ويرجع على الشهداء إن لم يحلف .

                                                                                                                                            فأما إذا قيل : إن سهمه راجع على الفقراء والمساكين لم يستحلف الحادث ، ولم يرجع على الشركاء إن لم يحلف ، لأن أصحاب الشافعي قد اختلفوا في مذهبه في الوقف إذا لم يقبله أحد أربابه ، هل يكون نصيبه مع إطلاق شرط الوقف عائدا على شركائه أو على الفقراء والمساكين ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            والوجه الثالث : وهو قول أبي حامد الإسفراييني : أنه محمول على الأموال كلها في أن الحادث لا يستحق نصيبه ، وإن اعترف له الشركاء إلا بيمينه ، وفرق بين الوقف ، وبين الدار المملوكة بين الشركاء بفرقين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهم في الوقف مقرون على الواقف ، وفي غير الوقف مقرون على أنفسهم .

                                                                                                                                            والفرق الثاني : أن في الوقف حقا للبطن الثاني ، فلم ينفذ إقرارهم عليه ، وليس في الملك حق لغيرهم .

                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا كان سهم الرابع ، وهو الربع ، موقوفا على يمينه بعد بلوغه ، ولو حدث خامس وقف له خمس الوقف على يمينه بعد بلوغه ، فإن بلغ الحادثان لم يخل حالهما بعد بلوغهما من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إما أن يحلفا أو ينكلا أو يحلف أحدهما ، وينكل الآخر .

                                                                                                                                            [ ص: 96 ] فإن حلفا استحق الرابع الربع قبل حدوث الخامس ، والخمس بعد حدوثه واستحق الخامس الخمس لا غيره ، وإن نكلا جميعا رد ما وقف من ربع الرابع وخمس الخامس على الإخوة الثلاثة .

                                                                                                                                            وإن حلف أحدهما ، ونكل الآخر سقط حق الناكل ، وصار الوقف بين أربعة فيكمل للرابع ربع الوقف من حين حدوثه ، وإلى وقت يمينه ، ويرد ما زاد على الإخوة الثلاثة . وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية