الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            القول في شهادة العدو والخصم .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا على خصم لأن الخصومة موضع عداوة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأما شهادة العدو على عدوه فمردودة لا تقبل ، وأجازها أبو حنيفة ، احتجاجا بقوله تعالى : واستشهدوا شهيدين من رجالكم [ البقرة : 282 ] . فكان على عمومه ، ولأن الدين والعدالة يمنعان من الشهادة بالزور .

                                                                                                                                            ولأن العداوة إن كانت في الدين لم تمنع من قبول الشهادة ، كما تقبل شهادة المسلم على الكافر مع ظهور العداوة ، وإن كانت في الدنيا فهي أسهل من عداوة الدين فكانت أولى أن تقبل .

                                                                                                                                            ودليلنا : قوله تعالى : ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا .

                                                                                                                                            والعداوة من أقوى الريب .

                                                                                                                                            وروى أبو داود في سننه ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه " . والغمر : العداوة ، وهذا نص .

                                                                                                                                            ولأنها شهادة تقترن بتهمة ، فلم تقبل كشهادة الوالد للولد .

                                                                                                                                            [ ص: 162 ] وأما الجواب عن عموم الآية فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : تخصيصها بأدلتنا .

                                                                                                                                            والثاني : حملها على التحمل دون الأداء .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قولهم أن الدين والعدالة يمنعان من الشهادة بالزور ، وهو أن هذا المعنى لما لم يبعث على قبول شهادة الوالد للولد ، لم يوجب قبول شهادة العدو على عدوه .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قولهم : إن العداوة في الدنيا أسهل : فهو أن العداوة في الدين تبعث على العمل بموجبه فزالت التهمة فيه . والعداوة في الدنيا أغلظ للعدول بها عن أحكام الدين .

                                                                                                                                            وإذا كان ذلك لم تقبل شهادة المقذوف على القاذف ، ولا المغصوب منه على الغاصب ، ولا المسروق منه على السارق ، وولي المقتول على القاتل ، والزوج على امرأته إذا زنت في فراشه ، إلى نظائر هذا .

                                                                                                                                            وإذا منعت العداوة من الشهادة على العدو ، لم تمنع من الشهادة له ، لأنه متهوم في الشهادة عليه وغير متهوم في الشهادة له . لأن ما بعث على العداوة لا يكون جرحا تسقط به الشهادة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية