فصل : وأما فعلى ثلاثة أضرب : الاختلاف في أحكام الفروع
أحدها : ما ضل به .
والثاني : ما أخطأ فيه .
والثالث : ما ساغ له .
وأما الضرب الأول : وهو ما ضل به ، فهو أن يخالف فيه إجماع الخاصة دون العامة كالإجماع على أن لا ميراث لقاتل ، ولا وصية لوارث ، وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ، فالمخالف فيه ضال يحكم بفسقه ورد شهادته .
وأما الضرب الثاني : وهو ما أخطأ فيه : فهو ما شذ الخلاف فيه وعدل المتأخرون عنه ، كاستباحة المتعة ، وبيع الدينار بالدينارين نقدا ، ومسح الرجلين في الوضوء ، وقطع يد السارق من المنكب ، فهذا خلاف شذ قائله ، وظهر فيه خطئه ، ولأنه يتردد بين منسوخ كالمتعة ، وبين ما توالى فيه النقل الصحيح كالربا في النقد والنساء . وبين ما ضعف فيه التأويل وظهر عليه الدليل كمسح الرجلين وقطع السارق من المنكب ، فحكم بخطئه لظهور الدليل على فساده ، ولم يبلغ به حد الضلال للشبهة المعترضة في احتماله ، فيكون المخالف فيه على عدالته وقبوله شهادته .
وأما الضرب الثالث : وهو ما ساغ الخلاف فيه على عدالته وقبول شهادته ، فهو مسائل الاجتهاد في العبادات ، والمعاملات ، والمناكح الذي لم يرد فيه حد ، وكان للاختلاف فيه وجه محتمل ، فلا يتباين فيه المختلفون ، ولا يتنابذ فيه المتنازعون ، [ ص: 177 ] ولكل واحد من أقاويلهم وجه ، فمن قال : إن كل مجتهد مصيب جعل جميع أقاويلهم حقا ، ولم يجعل قول واحد منهم خطأ . ومن قال : إن الحق في واحد منهم ، فكل واحد منهم جاز أن يكون محقا ، وإن لم يكن في جميع أقاويلهم محقا . وهو أسهل الاختلاف في الدين وجميعهم على العدالة وقبول الشهادة .
فهذا تفصيل مذهب الشافعي رضي الله عنه في عدالة المختلفين في الأصول والفروع ، أنه لم يقبل شهادة جميعهم ، ولا رد شهادة جميعهم ، حتى فصلناه على ما اقتضاه مذهبه ، وأوجبته أصوله . فأوضحنا بها من كان مقبول الشهادة ومردودها ، وخالفه فيها أبو حنيفة ومالك .
فأما أبو حنيفة ، فخفف الأمر فيها ، وأجاز شهادة كل من أطلق اسم الإسلام عليه ، واعتبر العدالة بالأفعال دون الاعتقاد .
وأما مالك ، فشدد الأمر فيها ، فرد شهادة جميعهم ، واقتصر بالعدالة على أهل الحق .
وكل واحد من قوليهما مدفوع بما أوضحنا من دلائل القبول والرد . والله أعلم .