الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا شهد شاهدان أنه دبر عبده سالما وهو الثلث ، وشهد شاهدان أنه أوصى بعتق عبده غانما وهو الثلث ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهما سواء ويقرع بينهما ويعتق من قرع منهما .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن التدبير مقدم على الوصية بالعتق ، لوقوع العتق فيه بالموت ، فيعتق المدبر ، ويرق الموصى بعتقه .

                                                                                                                                            ولو شهد شاهدان أنه دبر عبده سالما وهو الثلث ، وشهد آخران أنه أوصى بعتق عبده غانما وهو الثلث ، وشهد آخران أنه أوصى بثلثه لزيد ففيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يقدم التدبير فيستوظف به الثلث ، ويرق الموصى بعتقه ، وتبطل الوصية بثلثه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه يشرك بين المدبر والموصى بعتقه ويقرع بينهما ويعتق من قرع منهما ، وتبطل الوصية بثلثه .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أنه يشرك بين الجميع في الثلث فيدفع ثلث الثلث إلى الموصى له ويقرع بين المدبر والموصى بعتقه في ثلثي الثلث ، فإذا قرع أحدهما عتق ثلثاه ورق ثلثه وجميع الآخر .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وقال في الشهادات في العتق والحدود إملاء ، وإذا شهدا أن سيده أعتقه ، فلم يعدلا ، فسأل العبد أن يحال بينه وبين سيده أجر ، ووقفت إجارته ، فإن تم عتقه أخذها ، وإن رق أخذها السيد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في عبد ادعى على سيده أنه أعتقه وأنكر السيد عتقه ، فأقام العبد بينة بعتقه شاهدين مجهولي العدالة ، فسأل العبد أن يحال بينه وبين سيده حتى تظهر العدالة ليحكم بعتقه ، أجيب إلى الإحالة بين العبد وبين السيد حتى تظهر العدالة لأمرين : -

                                                                                                                                            [ ص: 288 ] أحدهما : أنه قد قام بما عليه من الشهادة ، وبقي ما على الحاكم من كشف العدالة .

                                                                                                                                            والثاني : أن الظاهر من الشهادة صحتها ، ولا يؤمن على العبد أن يباع ، ولا على الأمة أن توطأ .

                                                                                                                                            فإذا أحيل بينهما ، لزم الحاكم أن يستظهر للسيد بأمرين كما استظهر للعبد بالمنع :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يضعه على يد أمين نيابة عن يد السيد .

                                                                                                                                            والثاني : أن يؤجره بأجرة ينفق عليه منها ، ويوقف باقيها على عدالة الشاهدين ، فإن ثبتت عدالتهما حكم بعتقه ورد عليه باقي أجرته ، وإن ثبت فسقهما حكم برقه وإعادته إلى سيده مع بقية أجرته ، وإن لم يثبت لهما عدالة ولا فسق كان باقيا على الوقف ما بقي حال الشاهدين على الشهادة والجهالة .

                                                                                                                                            ولو كانت هذه الدعوى في غير العتق من دين مدعى ، وأقام مدعيه شاهدين مجهولي العدالة والجرح ، فوقفت شهادتهما على الكشف ، وسأل المدعي حبس خصمه على الكشف على العدالة ، أجيب إليها اعتبارا بعدالة الظاهر ، ولم يحكم عليه بها حتى تثبت عدالة الباطن ، ولم يكن لحبسه غاية إلا أن تثبت العدالة ليستوفي منه الحق ، أو يثبت الفسق ويطلق .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهد له شاهدا وادعى شاهدا قريبا فالقول فيها واحد من قولين : أحدهما ما وصفت في الوقف ، والثاني لا يمنع منه سيده ويحلف له " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها : أن يقيم المدعي للعتق شاهدا على عتقه ، ويسأل أن يحال بينه وبين سيده على إقامة الشاهد الآخر ، ففي إجابته إلى ذلك قولان منصوصان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجاب إلى ذلك ، لأن بقية العدد كبينة العدالة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يجاب إليه لأنه قد أتى في كمال العدد بما عليه ، وبقي ما على الحاكم من ظهور العدالة ، ولم يأت في نقصان العدد بما عليه فلم يحكم له بما سأل .

                                                                                                                                            فإن قيل : بأنه لا يجاب ولا فرق بين أن يكون الشاهد الذي أقامه معروف العدالة أو مجهولها ، ويحلف السيد على إنكار العتق ، فيكون العبد في يده على الرق .

                                                                                                                                            وإن قيل بأنه يجاب إلى الإحالة بينه وبين سيده لم يخل حال الشاهد من أن يكون معروف العدالة أو مجهولها ، فإن كان معروف العدالة ، حيل بينه وبين سيده إلى مدة [ ص: 289 ] ثلاثة أيام ، فإن أقام الشاهد الآخر حكم له بالعتق ، وإن لم يقمه أحلف السيد على إنكار العتق ، وأعيد العبد إلى يده على الرق ، وإن كان الشاهد الذي أقامه مجهول العدالة فقد اختلف أصحابنا على هذا القول في جواز الإحالة بينه وبين سيده على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يحال بينهما كما لو كان الشاهد عدلا ، اعتبارا بعدالة ظاهره .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن لا يحال ، لأن الباقي من العدالة والعدد أكثر من الماضي ، فيسقط باعتبار الأقل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية