الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا توجهت دعوى الكفالة على رجل ، خوصم فيها إلى الحاكم فإن كان يرى إبطال الكفالة بالنفس ، لم تسمع الدعوى فيها ، ولم تجب اليمين في إنكارها ، وإن كان يرى جوازها سمع الدعوى فيها وأوجب اليمين على منكرها ، وقال أبو حنيفة : لا يمين على منكرها ، وإن صحت ، وبناه على أصله في إسقاط اليمين على المنكر ، في خمسة عشر موضعا يطول شرحها ، وقد مضى الكلام في نظائرها .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أقام بينة أنه أكراه بيتا من داره شهرا بعشرة ، وأقام المكتري البينة أنه اكترى منه الدار كلها ذلك الشهر بعشرة ، فالشهادة باطلة ويتحالفان ويترادان ، فإن كان سكن فعليه كراء مثلها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن اختلاف المتكاريين في عقد الإجارة كاختلاف المتبايعين في عقد البيع ، فيكون اختلافهما تارة في الأجرة كاختلافهما في الثمن ، ويختلفان تارة في قدر المدة ، كاختلافهما في قدر المبيع ، ويختلفان في صفة المكري كاختلافهما في صفة المبيع ، فيحكم بالبينة ، ويتحالفان عند عدمها ، لأن الإجارة صنف من البيوع ، فتساويا في التحالف .

                                                                                                                                            فإذا تقرر هذا فصورة المسألة : أن يختلف المتكاريان فيقول المكري أكريتك بيتا من هذه الدار شهر رمضان بعشرة .

                                                                                                                                            [ ص: 318 ] ويقول المكتري ، بل اكتريت منك جميع هذه الدار شهر رمضان بعشرة ، فإن عدما البينة تحالفا ، وبدأ الحاكم بإحلاف المكري ، كما يبدأ بإحلاف البائع .

                                                                                                                                            فإن حلف أحدهما فنكل الآخر ، قضى للحالف منهما على الناكل .

                                                                                                                                            وإن حلفا معا فقد تساويا ، ولم يترجح أحدهما على الآخر ، فوجب أن يبطل العقد بينهما ، وفيما يبطل به العقد وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يبطل بنفس التحالف كما يرتفع نكاح المتلاعنين بنفس اللعان ، حتى يحكم الحاكم بإبطاله ، لأن التحالف لتصحيح العقد دون إبطاله ، فوجب أن يبطل بالحكم لأجل التعارض .

                                                                                                                                            فعلى هذا لا يجوز للحاكم أن يحكم بإبطاله إلا بعد أن يعرض على كل واحد منهما إمضاء ما حلف عليه صاحبه .

                                                                                                                                            فيقول للمكتري : قد حلف المكري على ما ادعى ، فتمضيه ؟

                                                                                                                                            فإذا قال : لا . قال للمكري : قد حلف المكتري على ما ادعى فتمضيه ؟

                                                                                                                                            فإذا قال : لا ، حكم بالفسخ بينهما .

                                                                                                                                            ولو تراضيا على ما ادعاه أحدهما أمضاه على ذلك ، وإذا امتنعا من الإمضاء ، وحكم بينهما بالفسخ ففي انفساخ العقد بينهما وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : ينفسخ في الظاهر والباطن كما لو فسخه بتحالفهما .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : ينفسخ في الظاهر دون الباطن ، لأن حكم الحاكم لا يحيل الشيء عما هو عليه .

                                                                                                                                            وينظر في التحالف ، فإن كان قبل مضي شيء من المدة استرجع المكتري أجرته ، واسترجع المكري داره ، وإن كان بعد مضي المدة ، أو بعضها لزم المكتري أجرة مثل سكناه ، لاستهلاكه لمنفعتها عن عقد قد حكم بفساده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية