فصل : وذهب آخرون من أصحابنا إلى أنها مصورة في مسألة مستأنفة ، أن تكون فقد تعارضت البينتان ، وتكاذبتا لاستحالة أن تكون كل الدار لكل واحد من أبويهما ، فتكون على ثلاثة أقاويل كتعارض البينتين في الأموال : الدار في يدي رجل ، فيدعيها اثنان ليسا بأخوين ، فيقول كل واحد منهما ، هذه الدار لأبي ورثتها منه ، وينكره الآخر ويدعيها لأبيه ، ورثها عنه ، ويقيم كل واحد منهما بينة على ما ادعاه
أحدها : وترجع إلى صاحب اليد فإن صدق أحدهما دفعها إليه وفي وجوب اليمين عليه ، للمكذب قولان :
أحدهما : لا يمين عليه ، إذا قيل : إنه لو أقر لم يغرم .
والثاني : عليه اليمين إذا قيل : إنه لو أقر غرم ، وإن صدقها دفع الدار إليهما ، وهل يحلف لكل واحد منهما على قولين ، وإن كذبهما وادعاها لنفسه ، حلف لهما ، وأقرت الدار على ملكه ، ولا يكون قيام البينة بملكها لكل واحد من الأبوين موجبا لزوال ملكه ورفع يده ، لما ذكرنا من اشتباه مستحقها .
والقول الثاني : في الأصل الإقراع بين البينتين ، والحكم بها لمن قرع منهما ، وفي إحلافه مع القرعة ، قولان ، ولا تنتزع الدار إلا بعد القرعة ، لأن بالقرعة تمتاز البينة المستحقة فإن جعلت اليمين بعد القرعة شرطا في الاستحقاق لم تنتزع إلا بعد يمينه ، وإن لم تجعل شرطا انتزعت بغير يمين .
والقول الثالث : استعمال البينتين ، وقسم الدار بينهما نصفين ، وهذا متفق على تخريجه في هذا الموضع ، وإن اختلف في تخريجه في المسألة المتقدمة ، لأنه لا يستحيل أن تكون الدار مشتركة بين أبويهما ، فجاز أن تقسم بينهما كسائر الأموال التي يجوز فيها الاشتراك ، ولا يستحيل بخلاف الميراث المستحق عن شخص يستحيل أن يموت مسلما كافرا .