فصل
على المذهب ، فلو لا يشترط كون المرهون ملك الراهن ، فرهنه ، جاز . وهل سبيله سبيل الضمان ، أم العارية ؟ قولان . أظهرهما : الأول . ومعناه : أنه ضمن الدين في رقبة عبده . قال الإمام : هذا العقد أخذ شبها من ذا ، وشبها من ذاك ، وليس القولان في تمحضه عارية أو ضمانا ، وإنما هما في أن المغلب أيهما ؟ وقال استعاد عبدا ليرهنه بدين ابن سريج : إذا جعلناه عارية لم يصح هذا التصرف ; لأن الرهن ينبغي أن يلزم بالقبض ، والعارية لا يلتزم . فعلى هذا يشترط في المرهون كونه ملك الراهن . والصواب ، ما سبق ، وعليه التفريع . والعارية قد تلزم ، كالإعارة للدفن ، ونظائره . ويتفرع على المذهب فروع .
أحدها : لو ، جاز ، وبعد قبضه : لا رجوع على قول الضمان قطعا ، ولا على قول العارية على الأصح ، وإلا ، فلا فائدة في هذا العقد ولا وثوق به . وقال صاحب " التقريب " إن كان الدين حالا ، رجع . وإن كان مؤجلا ، ففي جواز رجوعه قبل الأجل ، وجهان ، كما لو أعار للغراس مدة . ومتى جوزناه فرجع ، وكان الرهن مشروطا في بيع ، فللمرتهن فسخ البيع إن جهل الحال . أذن في رهن عبده ، ثم رجع قبل أن يقبض المرتهن
الثاني : لو ، فله ذلك بكل حال ، إلا إذا كان الدين مؤجلا ، وقلنا : إنه ضمان ، وإذا حل الأجل وأمهل المرتهن الراهن ، فللمالك أن يقول للمرتهن : إما أن ترد إلي ، وإما أن تطالبه بالدين ليؤدي فينفك الرهن ، كما إذا ضمن دينا مؤجلا ومات الأصيل ، فللضامن أن يقول : إما أن تطالب بحقك ، وإما أن تبرئني . أراد المالك إجبار الراهن على فكه
الثالث : إذا ، قال الإمام : إن قلنا : إنه ضمان ، [ ص: 51 ] لم يبع في حق المرتهن ، إن قدر الراهن على أداء الدين إلا بإذن جديد ، وإن كان معسرا ، بيع وإن سخط المالك . وإن قلنا : عارية لم يبع إلا بإذن جديد ، سواء كان الراهن موسرا ، أو معسرا . ولك أن تقول : حل المؤجل ، أو كان حالا ، فإن لم يأذن ، بيع عليه ، فالمراجعة لا بد منها . ثم إذا لم يأذن في البيع ، فقياس المذهب أن يقال : إن قلنا : عارية ، عاد الوجه في جواز رجوعه ، وإن قلنا : ضمان ، ولم يؤد الراهن الدين لم يمكن من الانتفاع ، ويباع عليه معسرا كان الراهن أو موسرا ، كما لو ضمن في ذمته ، يطالب موسرا كان الأصيل ، أو معسرا ، ثم إذا بيع في الدين بقيمته ، رجع بها المالك على الراهن . وإن بيع بأقل بقدر يتغابن الناس بمثله ، فإن قلنا : ضمان ، رجع بما بيع به . وإن قلنا : عارية ، رجع بقيمته ، وإن بيع بأكثر من قيمته رجع بما بيع به إن قلنا : ضمان . وإن قلنا : عارية ، فقال الأكثرون : لا يرجع إلا بالقيمة ; لأن العارية بها يضمن . وقال الرهن وإن صدر من المالك ، لا يسلط على البيع إلا بإذن جديد : يرجع بما بيع به كله ؛ لأنه ثمن ملكه وقد صرف إلى دين الراهن ، وهذا أحسن ، واختاره الإمام ، القاضي أبو الطيب وابن الصباغ ، . والروياني
قلت هذا الذي قاله القاضي ، وهو الصواب ، واختاره أيضا الشاشي وغيره . والله أعلم .
الرابع : لو ، فإن قلنا : عارية ، لزم الراهن الضمان . وإن قلنا : ضمان ، فلا شيء عليه ولا شيء على المرتهن بحال ؛ لأنه مرتهن لا مستعير . تلف في يد المرتهن
[ ص: 52 ] ولو تلف في يد الراهن ، قال : هو على القولين ، كما لو تلف في يد المرتهن ، وأطلق الشيخ أبو حامد ، أنه يضمن ؛ لأنه مستعير . الغزالي
قلت : المذهب : الضمان . والله أعلم .
الخامس : لو ، فإن قلنا : عارية ، لزم الراهن القيمة . قال الإمام : هذا إذا قلنا : العارية تضمن ضمان المغصوب ، وإلا ، فلا شيء عليه . جنى في يد المرتهن ، فبيع في الجناية
السادس : إذا قلنا : ضمان ، وجب بيان جنس الدين وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما ، وحكي قول قديم غريب ضعيف : أن الحلول والتأجيل لا يشترط ذكرهما ، والأصح : أنه يشترط بيان من يرهن عنده ، ولا خلاف أنه إذا عين شيئا من ذلك لم يجز مخالفته ، لكن لو عين قدرا فرهن بما دونه ، جاز ، ولو زاد عليه ، فقيل : يبطل في الزائد ، وفي المأذون قولا تفريق الصفة ، والمذهب : القطع بالبطلان في الجميع للمخالفة . وكما لو باع الوكيل بغبن فاحش ، لا يصح في شيء . ولو قال : أعرني لأرهنه بألف ، أو عند فلان ، كان ذلك كتقييد المعير على الأصح .
قلت : وإذا قلنا : عارية ، فله أن يرهن عند الإطلاق بأي جنس شاء ، وبالحال والمؤجل . قال في التتمة لكن لا يرهنه بأكثر من قيمته ; لأن فيه ضررا . فإنه لا يمكنه فكه إلا بقضاء جميع الدين . ولو لم يصح كعكسه ؛ لأنه لا يرضى أن يحال بينه وبين عبده إلى أجل . والله أعلم . أذن في حال فرهنه بمؤجل
السابع : لو ، إن قلنا : ضمان ، فقد حكى الإمام عن القاضي : أنه ينفذ ويوقف فيه . وفي " التهذيب " أنه كإعتاق المرهون ، وإن قلنا : عارية ، [ ص: 53 ] قال القاضي : كإعتاق المرهون ، وهذا تفريع على اللزوم ، هذا الرهن على قول العارية . وفي " التهذيب " أنه يصح ويكون رجوعا ، وهو تفريع على عدم اللزوم . أعتقه المالك
الثامن : لو ، قال القاضي : صح ذلك على قول الضمان ، ويكون كالإعارة للرهن . قال الإمام : وفيه تردد من جهة أن المضمون له لم يقبل ، ويجوز أن يعتبر القبول في الضمان المتعلق بالأعيان ، تقريبا له من المرهون ، وإن لم يعتبر ذلك في الضمان المطلق في الذمة . قال مالك العبد : ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي هذا
التاسع : لو ، انفك الرهن ، ثم رجوعه على الراهن يتعلق بكون القضاء بإذن الراهن أم بغيره ، وسنوضحه في باب الضمان إن شاء الله تعالى . فلو اختلفا في الإذن ، فالقول قول الراهن ، ولو شهد المرتهن للمعير ، قبلت شهادته لعدم التهمة . ولو رهن عبده بدين غيره دون إذنه ، جاز ، وإذا بيع فيه ، فلا رجوع . قضى المعير الدين بمال نفسه