الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        رهن العبد المحارب ، كبيعه . ورهن المرتد صحيح على المذهب كبيعه . فإن علم المرتهن ردته ، فلا خيار له في فسخ البيع المشروط فيه الرهن . وإن جهل ، يخير ، فإن قتل قبل قبضه ، فله فسخ البيع . وإن قتل بعده ، فمن ضمان من ؟ فيه وجهان سبقا في البيع . فإن قلنا : من ضمان البائع ، فللمرتهن فسخ البيع ، وإلا فلا فسخ ولا أرش ، كما لو مات في يده .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو رهنه عبدا مريضا لم يعلم بمرضه المرتهن حتى مات في يده ، فلا خيار له ، قاله في المعاياة ، قال : لأن الموت بألم حادث ، بخلاف قتل المرتد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 45 ] فرع

                                                                                                                                                                        الجاني إن لم نصحح بيعه ، فرهنه أولى ، وإلا ، فقولان ؛ لأن الجناية الطارئة ، يقدم صاحبها على حق المرتهن ، فالمتقدمة أولى . فإن لم نصحح رهنه ، ففداه السيد ، أو أسقط المجني عليه حقه ، فلا بد من استئناف رهن . وإن صححناه ، فقال المسعودي والإمام : يكون مختارا للفداء كما لو باعه ، وقال ابن الصباغ : لا يلزمه الفداء ، بخلاف البيع ؛ لأن محل الجناية باق هنا ، والجناية لا تنافي الرهن .

                                                                                                                                                                        قلت : قال البغوي أيضا : يكون ملتزما للفداء . ولكن الأكثرون قالوا كقول ابن الصباغ منهم الشيخ أبو حامد ، والماوردي ، وصاحب العدة وغيرهم . قالوا : هو مخير بين فدائه وتسليمه للبيع في الجناية . فإن فداه ، بقي الرهن ، وإلا بيع في الجناية ، وبطل الرهن إن استغرقه الأرش ، وإلا بيع بقدره ، واستقر الرهن في الباقي . وإذا قلنا : لا يصح رهن الجاني ، فسواء كان الأرش درهما ، والعبد يساوي الوفاء ، أم غير ذلك ، نص عليه الشافعي رضي الله عنه والأصحاب . وأما إثبات الخيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه رهنه ، ففيه تفصيل في " الحاوي " وغيره . إن كان عالما بالجناية ، فلا خيار في الحال . فإن اقتص منه في طرفه ، بقي رهنا ، ولا خيار للمرتهن في البيع ، لعلمه بالعيب . وإن قتل قصاصا ، فإن قلنا : إنه من ضمان البائع ، فله الخيار كما لو بان مستحقا ، وإن قلنا : من ضمان المشتري ، فلا خيار ؛ لأنه معيب علم به ، وإن عفا مستحق القصاص على ماله ، فإن فداه ، بقي رهنا ، ولا خيار للمرتهن ، وإن بيع للجناية ، بطل الرهن . وفي الخيار وجهان . وإن عفا عن القصاص ، سقط أثر الجناية . أما إذا كان جاهلا بالجناية ، فإن علم قبل استقرار حكمها ، يخير . فإن فسخ ، وإلا فيصير عالما ، وحكمه ما سبق . وإن لم يعلم إلا بعد استقرار حكمها على قصاص طرف لم يبطل الرهن بالقصاص ، لكن [ ص: 46 ] للمرتهن الخيار . وإن كان قصاص نفس ، بطل الرهن . وفي الخيار الوجهان . وإن استقر حكمها على مال ، فإن فداه ، كان كالعفو على مال . وإن بيع ، بطل الرهن . وفي الخيار الوجهان . وإن عفا بلا مال ، سقط أثر الجناية ، ثم إن لم يتب العبد من الجناية وكان مصرا ، فهذا عيب ، فللمرتهن الخيار . وإن تاب ، فهل ذلك عيب في الحال ؟ وجهان . فإن قلنا : عيب ، فله الخيار ، وإلا ، فوجهان . أحدهما : يعتبر الابتداء فيثبته . والآخر : ينظر في الحال ، هذا كلام صاحب الحاوي وفيه نفائس . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : يصح رهن الجاني جناية توجب القصاص ، ولا يصح إذا أوجبت مالا ، فرهن والواجب القصاص ، فعفا على مال ، فهل يبطل الرهن من أصله ، أم يكون كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو لم يبع في الجناية ؟ وجهان . اختار الشيخ أبو محمد أولهما . فعلى هذا لو كان العبد حفر بئرا في محل عدوان ، فمات فيها بعدما رهن إنسان ، ففي تبين الفساد ، وجهان . والفرق أنه رهن في الصورة الأولى وهو جان .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية