الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أسلم كافر على أكثر من أربع نسوة ، ومات قبل الاختيار والتعيين ، وقف الميراث بينهن . فإن اصطلحن على القسمة على تفاوت أو تساو جاز للضرورة . ولو اصطلحن على أن تأخذ ثلاث منهم أو أربع المال الموقوف ، ويبذلن للباقيات عوضا من خالص أموالهم ، لم يصح . ونظير المسألة ، ما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان ، ووقف لهما نصيب زوجة فاصطلحتا ، وما إذا ادعى اثنان وديعة في يد رجل ، فقال : لا أعلم لأيكما هي ، وما إذا تداعيا دارا في يدهما ، وأقام كل بينة . ثم اصطلحا . وكذا لو كانت في يد ثالث وقلنا باستعمال البينتين .

                                                                                                                                                                        قلت : وهذه مسائل تتعلق بالباب .

                                                                                                                                                                        إحداها : ادعى دارا ، فأقر ، فصالحه على عبد ، فخرج مستحقا ، أو رده بعيب ، أو هلك قبل القبض ، رجعت الدار إلى الأول . وإن وجد به عيبا بعدما هلك ، أو تعيب في يده ، أخذ من الدار بقدر ما نقص من قيمة العبد ، كما لو باعها بعبد .

                                                                                                                                                                        الثانية : ادعى عليه دارا ، فأنكره ، فقال المدعي : أعطيك ألفا وتقر لي بها ، ففعل ، فليس بصلح ، ولا يلزم الألف ، بل بذله وأخذه حرام . وهل يكون هذا إقرارا ؟ وجهان في " العدة " و " البيان " .

                                                                                                                                                                        الثالثة : صالح أجنبي عن المدعى عليه بعوض معين ، فوجده المدعي معيبا ، فله [ ص: 203 ] رده ، ولا يرجع ببدله بل ينفسخ الصلح ويرجع إلى خصومة المدعى عليه ، وكذا لو خرج العوض مستحقا . ولو صالحه على دراهم في الذمة ، فأعطاه دراهم ، فوجدها معيبة وردها ، أو خرجت مستحقة ، فله المطالبة ببدلها .

                                                                                                                                                                        الرابعة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : لو اشترى رجل أرضا وبناها مسجدا ، فجاء رجل فادعاها ، فإن صدقه المشتري ، لزمه قيمتها . وإن كذبه ، فصالحه رجل آخر ، صح الصلح ؛ لأنه بذل مال على جهة القربة ، ولأن القيمة على المشتري ؛ لأنه وقفه . والصلح عما في ذمة غيره بغير إذنه ، جائز .

                                                                                                                                                                        الخامسة : لو أتلف عليه شيئا قيمته دينار ، فأقر به ، وصالحه على أكثر من دينار ، لم يصح ؛ لأن الواجب قيمة المتلف ، فلم يصح الصلح على أكثر منه ، كمن غصب دينارا ، فصالح على أكثر منه . ولو صالحه عنه بعوض مؤجل ، لم يصح .

                                                                                                                                                                        السادسة : سبق في أول الباب أن الصلح عن المجهول لا يصح . قال الشافعي - رضي الله عنه - : لو ادعى عليه شيئا مجملا ، فأقر له به وصالحه عنه على عوض ، صح الصلح . قال الشيخ أبو حامد وغيره : هذا إذا كان المعقود عليه معلوما لهما ، فيصح وإن لم يسمياه ، كما لو قال : بعتك الشيء الذي نعرفه أنا وأنت بكذا ، فقال : اشتريت ، صح .

                                                                                                                                                                        السابعة : إذا أنكر المدعى عليه ، ووكل أجنبيا ليصالح كما سبق ، فهل يحل له التوكيل ؟ وجهان . قال ابن سريج : يحرم عليه الإنكار . ولو فعله فله التوكيل في المصالحة . وقال أبو إسحاق : يحرم عليه أيضا التوكيل . ولو مات مورثه وخلف عينا فادعاها رجل فأنكره ولا يعلم صدقه ، وخاف من اليمين ، جاز أن يوكل أجنبيا في الصلح ، لتزول الشبهة ، حكاه في " البيان " . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية