الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        دعوى الوكيل تلف المال ، مقبولة بيمينه قطعا ، وكذا دعواه الرد إن كان بلا جعل ، وكذا إن كان بجعل على الأصح ، وقد ذكرناه في كتاب الرهن . وكل ما ذكرناه هنا وهناك ، إذا ادعى الرد على من ائتمنه . فإن ادعى الرد على غيره ، لم يقبل ، وسيأتي إيضاحه في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى . ومن ذلك ، أن يدعي الوكيل الرد على رسول المالك ، لاسترداد ما عنده ، وينكر الرسول ، فالقول [ ص: 343 ] قول الرسول بلا خلاف ، ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل على الصحيح ؛ لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه . وقيل : يلزمه ؛ لأنه معترف بالرسالة ، ويد رسوله يده ، فكأنه ادعى الرد عليه .

                                                                                                                                                                        الموضع الثالث : في القبض ، فإذا وكله بقبض دين ، فقال : قبضته ، وأنكر الموكل ، نظر ، إن قال : قبضته وهو باق في يدي ، فخذه ، لزمه أخذه ، ولا معنى لهذا الاختلاف . وإن قال : قبضته وتلف في يدي ، فالقول قول الموكل مع يمينه على نفي العلم بقبض الوكيل ؛ لأن الأصل بقاء حقه ، هذا هو المذهب . وقيل بطرد الخلاف في اختلافهما في البيع ونحوه . فعلى المذهب ، إذا حلف الموكل ، أخذ حقه ممن كان عليه ، ولا رجوع له على الوكيل ، لاعترافه بأنه مظلوم . ولو وكله في البيع وقبض الثمن ، أو في البيع مطلقا ، وجوزنا له قبض الثمن ، فاتفقا على البيع ، واختلفا في قبض الثمن ، فقال الوكيل : قبضته وتلف في يدي ، أو دفعته إليك وأنكر الموكل ، ففي المصدق منهما طريقان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : على الخلاف السابق في البيع ونحوه . وأصحهما : أنهما إن اختلفا قبل تسليم المبيع ، فالقول قول الموكل ، وإن كان بعد تسليمه ، فوجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : قول الموكل . وأصحهما : قول الوكيل ، وبه قال ابن الحداد ؛ لأن الموكل يدعي تقصيره وخيانته بالتسليم بلا قبض ، والأصل عدمه . وهذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقا . فإذا أذن في التسليم قبل قبض الثمن ، أو في البيع بمؤجل وفي القبض بعد الأجل ، لم يكن خائنا بالتسليم بلا قبض ، كالاختلاف قبل التسليم ، فإذا صدقنا الوكيل فحلف ، ففي براءة المشتري وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما عند الإمام : يبرأ . وأصحهما عند البغوي : لا . فعلى الأول ، إذا حلف وبرئ المشتري ، ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا ، فإن رده على الموكل وغرمه الثمن ، لم يكن له الرجوع على الوكيل ، لاعترافه بأن الوكيل لم يأخذ شيئا . وإن رده على الوكيل وغرمه ، لم يرجع على الموكل ، والقول قوله بيمينه أنه لم يأخذ منه شيئا ، ولا يلزم من [ ص: 344 ] تصديقنا للوكيل في الدفع عن نفسه بيمينه أن نثبت بها حقا على غيره . ولو خرج المبيع مستحقا ، رجع المشتري بالثمن على الوكيل ؛ لأنه دفعه إليه ، ولا رجوع له على الموكل لما سبق . ولو اتفقا على قبض الوكيل الثمن ، وقال الوكيل : دفعته إليك ، وقال الموكل : بل هو باق عندك ، فهو كما لو اختلفا في رد المال المسلم إليه .

                                                                                                                                                                        والمذهب : أن القول قول الموكل . ولو قال الموكل : قبضت الثمن فادفعه إلي ، فقال الوكيل : لم أقبضه بعد ، فالقول قول الوكيل مع يمينه ، وليس للموكل طلبه من المشتري ، لاعترافه بقبض وكيله ، لكن لو سلم الوكيل المبيع حيث لا يجوز التسليم قبل قبض الثمن ، فهو متعد ، فللموكل أن يغرمه قيمة المبيع .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية