الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الصورة السادسة : في الوكالة في الخصومة ، وفيها مسائل . إحداها : الوكيل بالخصومة من جهة المدعي ، يدعي ويقيم البينة ويسعى في تعديلها ، ويحلف ويطلب الحكم والقضاء ، ويفعل ما هو وسيلة إلى الإثبات . والوكيل من جهة المدعى عليه ، ينكر ويطعن في الشهود ، ويسعى في الدفع بما أمكنه .

                                                                                                                                                                        الثانية : هل يشترط في التوكيل في الخصومة بيان ما فيه الخصومة ، من دم ، أو مال ، أو عين ، أو دين‌‌‌ ، أو أرش جناية ، أو بدل مال ؟ حكى العبادي فيه وجهين كالوجهين في بيان من يخاصمه .

                                                                                                                                                                        الثالثة : لو أقر وكيل المدعي بالقبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة ، أو المصالحة على مال ، أو بأن الحق مؤجل ، أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي ، لم يقبل ، سواء أقر في مجلس الحكم ، أم في غيره ، كما لا يصح إبراؤه ومصالحته ؛ لأن اسم الخصومة لا يتناولهما ، فكذا الإقرار . ثم وكيل المدعي ، إذا أقر بالقبض ، أو الإبراء ، انعزل ، وكذا وكيل المدعى عليه ، إذا أقر بالحق ، انعزل ؛ لأنه بعد [ ص: 321 ] الإقرار ظالم في الخصومة . وأطلق ابن كج وجهين في بطلان وكالته بالإقرار .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو أبرأ وكيل المدعي خصمه ، لم ينعزل ؛ لأن إبراءه باطل ، ولا يتضمن اعترافا بأن المدعي ظالم ، بخلاف الإقرار ، وكذا فرق صاحب " الحاوي " وغيره . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نقل في " النهاية " أن الوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه ، لا يقبل تعديله بينة المدعي ؛ لأنه كالإقرار في كونه قاطعا للخصومة ، وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار .

                                                                                                                                                                        الرابعة : تقبل شهادة الوكيل على موكله ، وتقبل لموكله في غير ما توكل فيه . وإن شهد بما توكل فيه ، نظر ، إن شهد قبل العزل أو بعده وقد خاصم فيه ، لم يقبل للتهمة . وإن كان بعده ولم يخاصم ، قبلت على الأصح . هذه هي الطريقة الصحيحة المشهورة . وقال الإمام : قياس المراوزة أن يعكس ، فيقال : إن لم يخاصم ، قبلت ، وإلا فوجهان .

                                                                                                                                                                        قال : وهذا التفصيل ، إذا جرى الأمر على تواصل . فإن طال الفصل ، فالوجه : القطع بقبول الشهادة مع احتمال فيه .

                                                                                                                                                                        الخامسة : لو وكل رجلين بالخصومة ، ولم يصرح باستقلال كل واحد منهما ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        الأصح : لا يستقل واحد منهما ، بل يتشاوران ويتباصران . كما لو وكلهما في بيع أو طلاق أو غيرهما ، أو وصى إليهما . ولو وكل رجلين في حفظ متاع ، فالأصح : أنه لا ينفرد واحد منهما بحفظه ، بل يحفظانه في حرز بينهما . والثاني : ينفرد . فإن قبل القسمة ، قسم ليحفظ كل واحد بعضه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 322 ] السادسة : ادعى عند القاضي أنه وكيل زيد ، فإن كان المقصود بالخصومة حاضرا ، وصدقه ، ثبتت الوكالة ، وله مخاصمته ، وإن كذبه ، أقام البينة على الوكالة . ولا يشترط في إقامة البينة تقدم دعوى حق الموكل على الخصم . وإن كان غائبا ، وأقام الوكيل بينة بالوكالة ، سمعها القاضي وأثبتها . ولا يعتبر حضور الخصم في إثبات الوكالة ، خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه حيث قال : لا تسمع البينة إلا في وجه الخصم .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : وهو بناء على مذهبه ، في امتناع القضاء على الغائب . ثم حكى الإمام عن القاضي حسين : أنه لا بد وأن ينصب القاضي مسخرا ينوب عن الغائب ، ليقيم المدعي البينة في وجهه .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : وهذا بعيد لا أعرف له أصلا ، مع ما فيه من مخالفة الأصحاب . وحكى عنه أيضا أن القضاة اصطلحوا على أن من وكل في مجلس القضاء وكيلا بالخصومة ، اختص التوكيل بالمخاصمة في ذلك المجلس .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : والذي نعرفه للأصحاب أنه يخاصم في ذلك المجلس وبعده ، ولا نعرف للقضاة العرف الذي ادعاه .

                                                                                                                                                                        السابعة : وكل رجلا عند القاضي بالخصومة عنه ، وطلب حقوقه ، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضرا في المجلس ، اعتمادا على العيان . فإن غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه اعتمادا على اسم ونسب يذكره ، فلا بد من إقامة بينة على أن فلان بن فلان وكله ، أو على أن الذي وكله هو فلان بن فلان ، ذكره أصحابنا العراقيون ، والشيخ أبو عاصم العبادي . وعبارة العبادي : إنه لا بد وأن يعرف الموكل شاهدان يعرفهما القاضي ويثق بهما . ثم إن الإمام حكى عن القاضي حسين - رحمهما الله - أن عادة الحكام التساهل في هذه البينة ، والاكتفاء بالعدالة الظاهرة ‌‌‌‌‌ترك البحث والاستزكاء تسهيلا على الغرباء . وقال القاضي أبو سعد بن أبي يوسف [ ص: 323 ] في شرح مختصر العبادي : يمكن أن يكتفى بمعرف واحد إذا كان موثوقا به ، كما قال الشيخ أبو محمد : إن تعريف المرأة في تحمل الشهادة عليها ، يحصل بمعرف واحد ؛ لأنه إخبار لا شهادة .

                                                                                                                                                                        قلت : وإذا ادعى على وكيل مالا ، وأقام بينة وقضى بها الحاكم ، ثم حضر الغائب وأنكر الوكالة ، أو ادعى عزله ، لم يكن له أثر ؛ لأن الحكم على الغائب جائز . قال في " التتمة " : وإذا اعترف الخصم عند القاضي بأنه وكيل ، جاز له المحاكمة قطعا . وفي وجوبها عليه الخلاف فيما إذا اعترف بأنه وكيل في قبض الدين ، هل يلزمه دفعه إليه ، أم لا يجب حتى يقيم بينة ؟ والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية