الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        بينهما عبد ، باعه أحدهما بإذن شريكه ، وأذن له في قبض الثمن ، أو قلنا : [ ص: 287 ] للوكيل بالبيع قبض الثمن ، ثم اختلف الشريكان في قبض الثمن ، فذلك يتصور على وجهين . أحدهما : أن يقول الشريك للبائع : قبضت كل الثمن ، فسلم إلي نصيبي ، ويوافقه المشتري على أن البائع قبض ، وينكر البائع ، فيبرأ المشتري عن نصيب الذي لم يبع ، لاعترافه ببراءته . ثم هنا خصومة بين البائع والمشتري ، وخصومة بين الشريكين ، وربما تقدمت الأولى على الثانية ، وربما تأخرت . فإن تقدمت ، نظر ، إن قامت للمشتري بينة على الأداء ، اندفعت عنه مطالبة البائع . فإن شهد له الشريك ، لم يقبل في نصيبه . وفي نصيب البائع القولان في تبعيض الشهادة . وإن لم يقم بينة ، فالقول قول البائع بيمينه أنه لم يقبض . فإن حلف أخذ نصيبه من المشتري ، ولا يشاركه الذي لم يبع فيه ؛ لأنه يزعم أن ما يأخذه الآن ظلم . وإن نكل ، وحلف المشتري ، انقطعت عنه المطالبة . وإن نكل المشتري أيضا ، فوجهان . قال ابن القطان : لا يلزمه نصيب البائع ، لأنا لا نقضي بالنكول . والصحيح : أنه يلزمه ؛ لأنه ليس قضاء بالنكول ، بل مؤاخذة باعترافه بلزوم المال بالشراء . فإذا انقضت خصومة البائع والمشتري ، فطلب الشريك حصته من البائع لزعمه أنه قبض الثمن ، فالقول قول البائع بيمينه أنه لم يقبض إلا نصيبه بعد الخصومة . فإن نكل البائع ، حلف الشريك وأخذ منه نصيبه ، ولا يرجع به البائع على المشتري ؛ لأنه يزعم أن شريكه ظلمه ، ولا يمنع البائع من الحلف نكوله على اليمين في الخصومة مع المشتري ؛ لأنها خصومة أخرى مع آخر . أما إذا تقدمت خصومة الشريكين ، فادعى الذي لم يبع على البائع قبض الثمن ، وطلب حقه ، فعليه البينة ، ولا تقبل شهادة المشتري له . فإن لم تكن بينة ، حلف البائع ، فإن نكل ، حلف المشتري وأخذ نصيبه من البائع . فإذا انقضت خصومة الشريكين ، فطالب البائع المشتري بحقه أخذه بيمينه . فإن نكل ، حلف المشتري وبرئ . ولا يمنع البائع من الحلف وطلب حقه من المشتري نكوله في الخصومة الأولى مع شريكه . وفي وجه : [ ص: 288 ] يمنعه ، وهو ضعيف باتفاق الأصحاب . وعلى ضعفه ، قال الإمام : القياس طرده فيما إذا تقدمت خصومة البائع والمشتري ، ونكل البائع ، وحلف المشتري . حتى يقال : تثبت للشريك مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومة .

                                                                                                                                                                        الوجه الثاني : أن يقول البائع للشريك : قبضت الثمن كله ، وصدقه المشتري ، وأنكر الشريك ، فله حالان . أحدهما : أن يكون الشريك مأذونا من جهة البائع في قبض الثمن ، فيبرأ المشتري من نصيب البائع ، لاعترافه بأن وكيله قبضه . ثم تتصور خصومتان كما سبق ، فإن تخاصم الشريك والمشتري ، فالقول قول الشريك ، فيحلف ويأخذ نصيبه ، ويسلم له المأخوذ . وإن تخاصم البائع والشريك ، حلف الشريك . فإن نكل ، حلف البائع وأخذ حقه منه ، ولا رجوع له على المشتري . وكل هذا ، كما سبق في النزاع الأول . ولو شهد البائع للمشتري ، لم يقبل ؛ لأنه يشهد لنفسه .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يكون غير مأذون ، فلا تبرأ ذمة المشتري عن شيء من الثمن . ثم يكون البائع مأذونا من جهة الشريك في القبض ، وتارة لا . فإن كان ، فله مطالبة المشتري بنصيبه ، وليس له مطالبة بنصيب الشريك ؛ لأنه لما أقر بقبض الشريك نصيب نفسه ، صار معزولا . ثم إذا تخاصم الشريك والمشتري ، فعلى المشتري البينة بالقبض . فإن لم تكن ، فالقول قول الشريك . فإذا حلف ، ففيمن يأخذ حقه منه ؟ وجهان . أحدهما : قال المزني وابن القاص وآخرون : إن شاء أخذ تمام حقه من المشتري ، وإن شاء شارك البائع في المأخوذ وأخذ الباقي من المشتري ؛ لأن الصفقة واحدة ، فكل جزء من الثمن شائع بينهما . فإذا شارك ، لم يبق للبائع إلا ربع الثمن . وقال ابن سريج وغيره : ليس له إلا الأخذ من المشتري ، ولا يشارك البائع فيما أخذه ؛ لأن البائع انعزل عن الوكالة بإقرار أن [ ص: 289 ] الشريك أخذ حقه ، فما يأخذه بعد الانعزال ، يأخذه لنفسه فقط . وهذا الوجه استحسنه الشيخان : أبو حامد وأبو علي . ولو شهد البائع للمشتري على الشريك بقبض الثمن ، فعلى قول المزني : لا تقبل شهادته ؛ لأنه يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه . وعلى ما ذكره ابن سريج : تقبل .

                                                                                                                                                                        القسم الثاني : أن لا يكون البائع مأذونا في القبض ، قال العراقيون : للبائع مطالبة المشتري بحقه ، وما يأخذه يسلم له ، وتقبل شهادته للمشتري على الشريك . ويجيء وجه : في مشاركة صاحبه ، وفي قبول الشهادة . وحكى الحناطي وجها : أن أحد الوارثين ، لو قبض من الدين قدر حصته ، لم يشاركه الآخر ، إلا أن يأذن له المديون في الرجوع عليه ، أو لا يجد مالا سواه . والصحيح : المشاركة مطلقا . ولو ملكا عبدا ، فباعاه صفقة ، فهل ينفرد أحدهما بقبض حصته من الثمن ؟ وجهان . أحدهما : لا . فلو قبض شيئا ، شاركه الآخر كالميراث . وأرجحهما : نعم ، كما لو انفرد بالبيع .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية