الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل تتعلق بالإقرار وإن كان بعضها أجنبيا

                                                                                                                                                                        إحداها : في يده جارية ، فقال رجل : بعتكها بكذا وسلمتها ، فأد الثمن . فقال : بل زوجتنيها بصداق كذا وهو علي ، فله حالان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يجري التنازع قبل أن يولدها صاحب اليد ، فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعى عليه ، فإن حلفا ، سقطت دعوى الثمن والنكاح ، ولا مهر ، سواء دخل بها صاحب اليد ، أم لا ؛ لأنه وإن أقر بالمهر لمن كان مالكا ، فهو منكر له ، وتعود الجارية إلى المالك . ثم أحد الوجهين ، أنها تعود إليه كعود المبيع إلى البائع ، لإفلاس المشتري بالثمن .

                                                                                                                                                                        والثاني : تعود بجهة أنها لصاحب اليد بزعمه ، وهو يستحق عليه الثمن ، وقد ظفر بغير جنس حقه . فعلى هذا ، يبيعها ويستوفي حقه من ثمنها . فإن فضل شيء ، فهو لصاحب اليد ، ولا يحل له وطؤها . وعلى الأول : يحل وطؤها والتصرف ، ولا بد من التلفظ بالفسخ . وإن حلف أحدهما فقط ، نظر ، إن حلف مدعي الثمن على نفي التزويج ، ونكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء ، حلف المدعي اليمين المردودة على الشراء ، ووجب الثمن . وإن حلف صاحب اليد على نفي [ ص: 410 ] الشراء ونكل الآخر عن اليمين على نفي التزويج ، حلف صاحب اليد اليمين المردودة على النكاح ، وحكم له بالنكاح ، وبأن رقبتها للآخر . ثم لو ارتفع النكاح بطلاق أو غيره ، حلت للسيد في الظاهر . وكذا في الباطن إن كان كاذبا . وعن القاضي حسين : أنه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه ، اكتفى من الثاني بيمين واحدة يجمع فيها بين النفي والإثبات .

                                                                                                                                                                        والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يولدها صاحب اليد ، فالولد حر ، والجارية أم ولد له باعتراف المالك القديم ، وهو يدعي الثمن ، فيحلف صاحب اليد على نفيه . فإن حلف على نفي الشراء ، سقط عنه الثمن المدعى . وهل يرجع المالك عليه بشيء ؟ وجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : يرجع بأقل الأمرين من الثمن والمهر ؛ لأنه يدعي الثمن ، وصاحب اليد مقر له بالمهر ، فالأقل منهما متفق عليه .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا يرجع بشيء ؛ لأن صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه ، والمهر الذي يقر به لا يدعيه الآخر ، فلا يمكن من المطالبة . وهل لصاحب اليد تحليف المالك على نفي الزوجية بعد ما حلف على نفي الشراء ؟ وجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : لا ؛ لأنه لو ادعى ملكها وتزويجها بعد اعترافه بأنها أم ولد للآخر ، لم يقبل ، فكيف يحلف على ما لو أقر به لم يقبل ؟ !

                                                                                                                                                                        والثاني : نعم ، طمعا في أن ينكل فيحلف ويثبت له النكاح . ولو نكل صاحب اليد [ عن اليمين ] على نفي الشراء ، حلف المالك القديم اليمين المردودة . وعلى كل حال ، فالجارية مقررة في يد صاحب اليد ، فإنها أم ولده أو زوجته ، وله وطؤها في الباطن . وفي الحل ظاهرا ، وجهان . أصحهما : تحل . ووجه المنع : أنه لا يدري ، أيطأ زوجته أم مملوكته ؟ وإذا اختلفت الجهة ، وجب الاحتياط للبضع ، ونفقتها على صاحب اليد إن جوزنا له الوطء ، وإلا فقولان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : على المالك القديم ، لأنها كانت عليه . وأظهرهما : أنها في كسب الجارية . فإن لم يكن كسب ، ففي بيت المال . ولو ماتت الجارية قبل موت المستولد ، ماتت قنة ، وللمالك القديم أخذ القيمة [ ص: 411 ] مما تركته من أكسابها ، وما فضل فموقوف لا يدعيه أحد . وإن ماتت بعد موت المستولد ، ماتت حرة ، ومالها لوارثها بالنسب . فإن لم يكن ، فهو موقوف ؛ لأن الولاء لا يدعيه واحد منهما ، وليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها ؛ لأن الثمن بزعمه على المستولد وهي قد عتقت بموته ، فلا يؤدي دينه مما جمعته بعد الحرية . هذا كله فيما إذا أصر على كلاميهما . أما إذا رجع المالك القديم ، وصدق صاحب اليد ، فلا يقبل في رد حرية الولد وثبوت الاستيلاد ، وتكون أكسابها له ما دام المستولد حيا . فإذا مات ، عتقت وكانت أكسابها لها . ولو رجع المستولد ، وصدق المالك القديم ، لزمه الثمن وكان ولاؤها له .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : إقرار الورثة على الميت بالدين والعين مقبول . فلو أقر بعضهم بدين ، وأنكر بعضهم ، فقولان .

                                                                                                                                                                        القديم : أن على المقر قضاء جميع الدين من حصته من التركة إن وفى به ، وإلا فيصرف جميع حصته إليه ؛ لأنه إنما يستحق بعد قضاء الدين .

                                                                                                                                                                        والجديد : أنه لا يلزمه إلا بقسط حصته من التركة . فعلى الجديد : لو مات المنكر وورثه المقر ، فهل يلزمه الآن جميع الدين المقر به ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : نعم ، لحصول جميع التركة في يده ، ويتفرع على القولين فرعان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : لو شهد بعض الورثة بدين على المورث . إن قلنا : لا يلزمه بالإقرار إلا حصته ، قبلت شهادته ، وإلا فلا ؛ لأنه متهم . وسواء كانت الشهادة بعد الإقرار أو قبله .

                                                                                                                                                                        الثاني : كيس في يد رجلين فيه ألف . قال أحدهما لثالث : لك نصف ما في هذا الكيس ، فهل يحمل إقراره على النصف المضاف إليه ، أم على نصف ما في يده ، وهو الربع ؟ وجهان بناء على القولين .

                                                                                                                                                                        قلت : أفقههما الأول . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية