الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الثالث : الصيغة ، فيعتبر الإيجاب والقبول ، اعتبارهما في البيع ، والخلاف في المعاطاة والاستيجاب والإيجاب عائد كله هنا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الرهن قسمان . أحدهما : مشروط في عقد ، كمن باع ، أو أجر ، أو أسلم ، أو زوج بشرط الرهن بالثمن ، أو الأجرة ، أو المسلم فيه ، أو الصداق . والقسم [ ص: 58 ] الثاني : ما لم يشرط ، ويسمى : رهن التبرع ، والرهن المبتدأ . فالأول ، كبعتك داري بكذا على أن ترهنني به عبدك ، فقال : اشتريت ورهنت ، وقد ذكرنا خلافا في أنه يتم الرهن بهذا ، أم لا بد من قوله بعده : ارتهنت . فعلى الأول يقوم الشرط مقام القبول ، كما يقوم الاستيجاب مقامه ، وحكي وجه : أنهما إذا شرطا الرهن في نفس البيع ، صار مرهونا من غير استئناف رهن ، ويقام التشارط مقام الإيجاب والقبول .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الشرط في الرهن ضربان . أحدهما : شرط يقتضيه ، فلا يضر ذكره في رهن التبرع ، ولا في الرهن المشروط في عقد ، كقوله : رهنتك على أن تباع في دينك ، أو لا تباع إلا بإذنك ، أو يتقدم به على الغرماء . والثاني : ما لا يقتضيه ، وهو إما متعلق بمصلحة العقد ، كالإشهاد ، وإما لا غرض فيه ، كقوله : بشرط أن لا يأكل إلا الهريسة ، وحكمهما كما سبق في كتاب البيع . وأما غيرهما ، وهو نوعان . أحدهما ينفع المرتهن ويضر الراهن ، كشرط المنافع أو الزوائد للمرتهن ، فالشرط باطل ، فإن كان رهن تبرع ، بطل الرهن أيضا على الأظهر ، وإن كان مشروطا في بيع ، نظر ، إن لم يجر جهالة الثمن ، بأن شرط في البيع رهنا على أنه يبقى بعد قضاء الدين محبوسا شهرا ، فسد الرهن على الأظهر . وفي فساد البيع القولان فيما إذا شرط عقدا فاسدا في بيع ، فإن صححنا البيع ، فللبائع الخيار ، صح الرهن أم فسد ؛ لأنه وإن صح لم يسلم له الشرط ، وإن جر جهالة ، بأن شرط في البيع رهنا تكون منافعه للمرتهن ، فالبيع باطل على المذهب . وقيل : هو الذي لا يجر جهالة ، ثم البطلان فيما إذا أطلق المنفعة . فلو قيدها فقال : ويكون منفعتها لي سنة مثلا ، فهذا جمع بين بيع وإجارة في صفقة ، وفيه خلاف سبق .

                                                                                                                                                                        [ ص: 59 ] النوع الثاني : ينفع الراهن ويضر المرتهن ، كرهنتك بشرط أن لا يباع في الدين ، أو لا يباع إلا بعد المحل بشهر أو بأكثر من ثمن المثل ، أو برضاي ، فالرهن باطل ، كذا قطع به الأصحاب . وعن ابن خيران : أنه قال : يجيء في فساده القولان ، وهو غريب . والصواب الأول ، فلو كان مشروطا في بيع ، عاد القولان في فساده بفساد الرهن ، فإن لم يفسد ، فللبائع الخيار .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        زوائد المرهون غير مرهونة ، فلو رهن شجرة أو شاة بشرط أن تحدث الثمرة أو الولد مرهونا لم يصح الشرط على الأظهر . وقيل : قطعا ؛ لأنه مجهول معدوم ، فإن صححنا ، ففي إكساب العبد إذا شرط كونها مرهونة وجهان . أصحهما : المنع ؛ لأنها ليست من أجزاء الأصل . وإن أفسدنا ، ففي صحة الرهن قولان . فإن كان شرطا في بيع ، وصححنا الشرط ، أو أبطلناه وصححنا الرهن ، صح البيع ، وللبائع الخيار ، وإلا ففي صحة البيع قولان . وإذا اختصرت قلت : فيه أربعة أقوال . أحدها : بطلان الجميع . والثاني : صحة الجميع . والثالث : صحة البيع فقط . والرابع : صحته مع الرهن دون الشرط .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الرابع ، هو المنصوص ، كذا قاله في الشامل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أقرضه بشرط أن يرهن به شيئا يكون منافعه للمقرض ، فالقرض باطل . فلو [ ص: 60 ] شرط كون المنافع مرهونة ، فالشرط باطل ، والقرض صحيح ; لأنه لا يجر نفعا وفي صحة الرهن القولان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو قال : أقرضتك هذا الألف بشرط أن ترهن به ، وبالألف الذي لي عليك كذا أو بذلك الألف وحده ، فالقرض فاسد . ولو قال المستقرض : أقرضني ألفا على أن أرهنه ، وبالألف القديم ، أو بالقديم فقط كذا ، فالأصح فساد القرض . لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدين ، أو بالدين رهنا ، بطل البيع كما سبق . فلو رهن المستقرض ، أو المشتري كما شرط ، فإن علم فساد الشرط ، نظر ، إن رهن بالألف القديم ، صح ، وإن رهن بهما لم يصح بالألف الذي فسد قرضه ؛ لأنه لم يملكه ، وإنما هو مضمون في يده ، والأعيان لا يرهن بها . وفي صحته في الألف القديم قولا تفريق الصفقة . فإن صح لم يوزع ، بل كله مرهون بالألف القديم ؛ لأن وضع الرهن على وثيق كل بعض من

                                                                                                                                                                        [ أبعاض ] الدين بجميع المرهون . فلو تلف الألف الذي فسد قبضه في يده ، صار دينا في ذمته ، وصح الرهن بالألفين حينئذ . وإن ظن صحته ، فإن رهن بالقديم ، فوجهان . قال القاضي : لا يصح ، وقال الشيخ أبو محمد وغيره : يصح .

                                                                                                                                                                        قلت : قول الشيخ أبي محمد ، هو الأصح ، واختاره الإمام ، والغزالي في البسيط وزيف الإمام قول القاضي . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو رهن بالألفين وقلنا : الصفقة تفرق ، فصحته بالألف القديم على هذا الخلاف . وكذا لو باع بشرط بيع آخر ، فأنشأه ظانا صحة العقد ، وقد سبقت هذه الصورة في بابها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 61 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية