الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 307 ] الصورة الثانية : في قبض الثمن ، وإقباض المبيع . فإذا وكله بالبيع مطلقا ، فهل يملك الوكيل قبض الثمن ؟ وجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : لا ؛ لأنه لم يأذن فيه ، وقد يرضاه للبيع ، ولا يرضاه لقبض الثمن . وأصحهما : نعم ؛ لأنه من توابع البيع ومقتضياته . وهل يملك تسليم المبيع إذا كان معه ؟ أشار كثيرون إلى الجزم بجوازه . وقال الشيخ أبو علي : هو على الوجهين في قبض الثمن . ولو صرح بهما ، لم يملك التسليم ما لم يقبض الثمن ، وعلى هذا جرى صاحب " التهذيب " وغيره .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح جواز تسليمه ، ولكن بعد قبض الثمن . فهذا هو الراجح في الدليل ، وفي النقل أيضا ، وقد صححه الرافعي في " المحرر " . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        والوكيل في الصرف ، يملك القبض والإقباض بلا خلاف ؛ لأنه شرط في صحة العقد ، وكذلك في السلم يدفع وكيل المسلم رأس المال ، ويقبضه وكيل المسلم إليه قطعا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا باع الوكيل بمؤجل حيث يجوز ، سلم المبيع على المذهب ، إذ لا حبس بالمؤجل ، ويجيء وجه مما ذكره أبو علي : أنه لا يسلم ، إذ لم يفوض إليه . ثم إذا حل الأجل ، لا يملك الوكيل قبض الثمن إلا بإذن مستأنف . وإذا باع بحال ، وجوزنا قبض الثمن ، لم يسلم المبيع حتى يقبضه كما لو أذن فيهما صريحا ، وله مطالبة المشتري بتسليم الثمن . وإذا لم نجوز له القبض ، فلا تجوز له المطالبة ، وللموكل المطالبة بالثمن على كل حال . ولو منعه من قبض الثمن ، لم يجز قبضه قطعا . ولو منعه [ ص: 308 ] من تسليم المبيع ، فكذلك عند الشيخ أبي علي . وقال آخرون : هذا الشرط فاسد ، فإن التسليم مستحق بالعقد . وفي فساد الوكالة به وجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : تفسد ، ويسقط الجعل المسمى ، فيرجع بأجرة المثل . والصواب أن يقال : المسألة مبنية على أن في صورة الإطلاق ، هل للوكيل التسليم ، أم لا ؟ إن قلنا : لا ، فعند المنع أولى ، وإن قلنا : نعم ، فذلك من توابع العقد وتتماته ، لا لأن تسليمه مستحق بالعقد ، فإن المستحق هو التسليم ، لا تسليمه بعينه ، والممنوع منه تسليمه . فلو قال : امنع المبيع منه ، فهذا شرط فاسد ؛ لأن منع الحق عمن يستحق ، وإثبات يده عليه حرام . وفرق بين قوله : لا تسلمه إليه ، وقوله : أمسكه أو امنعه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الوكيل بالشراء ، إن لم يسلم الموكل إليه الثمن ، واشترى في الذمة ، فسيأتي الكلام - في أن المطالبة بالثمن ، على من تتوجه ؟ - في الحكم [ من الباب ] الثاني إن شاء الله تعالى . وإن سلمه إليه واشترى بعينه ، أو في الذمة ، فهل يملك تسليم الثمن وقبض المبيع بمجرد الإذن في الشراء ؟ قال في " التتمة " و " التهذيب " : فيه الخلاف السابق في وكيل البائع ، وجزم الغزالي بالجواز ، فإن العرف يقتضيه .

                                                                                                                                                                        قلت : الصحيح : القطع بالجواز ، وهو الذي جزم به صاحب " الحاوي " والأكثرون . وقال صاحب " الشامل " : يسلم الثمن قطعا ، ويقبض المبيع على الأصح ، ففرق بينهما . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا سلم المشتري الثمن إلى الموكل أو الوكيل حيث يجوز قبضه ، لزم الوكيل [ ص: 309 ] تسليم المبيع وإن لم يأذن الموكل فيه ؛ لأن الثمن إذا قبض صار دفع المبيع مستحقا ، وللمشتري الانفراد بأخذه . فإن أخذه المشتري ، فذاك ، وإن سلمه الوكيل ، فالأمر محمول على أخذ المشتري ، فلا حكم للتسليم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ذكرنا أن الوكيل لا يسلم المبيع قبل قبض الثمن . فلو فعل ، غرم للموكل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواء ، أو كان الثمن أكثر . فإن كانت القيمة أكثر ، بأن باعه بغبن محتمل ، فهل يغرم جميع القيمة ، أم يحط قدر الغبن ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : أولهما . فإن باعه بغبن فاحش بإذن الموكل ، فقياس الوجه الثاني : أن لا يغرم إلا قدر الثمن ، ثم إذا قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم ، دفعه إلى الموكل ، واسترد المغروم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الوكيل باستيفاء الحق ، هل يثبته ، أو بإثباته هل يستوفيه عينا كان أو دينا ؟ فيه أوجه . أصحها : لا . والثاني : نعم . والثالث : يثبت ولا يستوفي . فلو كان الحق قصاصا أو حدا ، لم يستوفه على المذهب . وقال ابن خيران : على الوجهين .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية