فصل
فيما يباع من مال المفلس
فيه مسائل :
إحداها : ينفق الحاكم على المفلس إلى فراغه من بيع ماله وقسمته ، وكذا [ ص: 145 ] ينفق على من عليه مؤنته من الزوجات والأقارب ; لأنه موسر ما لم يزل ملكه . وكذلك يكسوهم بالمعروف . هذا إذا لم يكن له كسب يصرف إلى هذه الجهات . وأما قدر نفقة الزوجات ، فقال الإمام : لا شك أن نفقته نفقة المعسرين . وقال الروياني : نفقة الموسرين . وهذا قياس الباب ، إذ لو كان نفقة المعسر ، لما أنفق على القريب .
قلت : يرجح قول إمام الحرمين بنص رضي الله عنه ، إذ قال في المختصر : أنفق عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم من نفقة وكسوة . والله أعلم . الشافعي
الثانية : يباع مسكنه وخادمه . وإن كان محتاجا إلى من يخدمه لزمانة ، أو كان منصبه يقتضي ذلك ، هذا هو المذهب والمنصوص . وفي وجه ، يبقيان إذا كانا لائقين به بدون النفيسين . وفي وجه ، يبقى المسكن فقط .
الثالثة : يترك له دست ثياب تليق به ، من قميص ، وسراويل ، ومنعل ، ومكعب . وإن كان في الشتاء زاد جبة . ويترك له عمامة ، وطيلسان ، وخف ودراعة يلبسها فوق القميص ، إن كان يليق به لبسها . وتوقف الإمام في الخف والطيلسان وقال : تركهما لا يخرم المروءة . وذكر أن الاعتبار بحاله في إفلاسه ، لا في بسطته وثروته . لكن المفهوم من كلام الأصحاب ، أنهم لا يوافقونه ويمنعون قوله : تركهما لا يخرم المروءة . ولو كان يلبس قبل إفلاسه فوق ما يليق بمثله رددناه إلى ما يليق ، ولو كان يلبس دون اللائق تقتيرا لم يرد إليه . ويترك لعياله من الثوب ، كما يترك له . ولا يترك الفرش والبسط ، لكن يسامح باللبد والحصير القليل القيمة .
الرابعة : يترك قوت يوم القسمة له ولمن عليه نفقته ; لأنه موسر في أوله .
[ ص: 146 ] ولا يزاد على نفقة ذلك اليوم ، وذكر ، أنه يترك له سكنى ذلك اليوم أيضا ، فاستمر على قياس النفقة ، لكنه لم يتعرض له غيره . الغزالي
الخامسة : كل ما قلنا يترك له ، إن لم نجده في ماله ، اشتري له .
قلت : قال صاحب " التهذيب " يباع عليه مركوبه ، وإن كان ذا مروءة . قال أصحابنا : وإذا مات المفلس ، قدم كفنه ، وحنوطه ، ومؤنة غسله ودفنه على الديون ، وكذلك من مات من عبيده ، وأم ولده ، وزوجته إن أوجبنا عليه كفنها ، وكذلك أقاربه الذين تلزمه نفقتهم ، نص عليه في " المختصر " واتفقوا عليه . قال في " البيان " وتسلم إليه النفقة يوما بيوم . والله أعلم .