الحال الثالث : أن يكون بعض رأس المال باقيا ، وبعضه تالفا ، وهو كتلف بعض المبيع ، وسنذكره إن شاء الله تعالى ، وأما الإجارة ، فنتكلم في إفلاس المستأجر ، ثم المؤجر .
القسم الأول : المستأجر ، والإجارة نوعان .
أحدهما : إجارة عين . ، فللمؤجر فيه فسخ الإجارة على المشهور ، تنزيلا للمنافع منزلة [ ص: 152 ] الأعيان في البيع . وفي قول : لا ؛ إذ لا وجود لها . فعلى المشهور : إن لم يفسخ ، واختار المضاربة بالأجرة فله ذلك . ثم إن كانت العين المستأجرة فارغة ، أجرها الحاكم على المفلس ، وصرف الأجرة إلى الغرماء . وإن كان الفلس بعد مضي بعض المدة فللمؤجر فسخ الإجارة في المدة الباقية ، والمضاربة بقسط الماضية من الأجرة المسماة ، بناء على أنه فإذا أجر أرضا ، أو دابة ، وأفلس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضي المدة ، يفسخ البيع في الباقي ، ويضارب بثمن التالف . ولو أفلس مستأجر الدابة في خلال الطريق ، وحجر عليه ، ففسخ المؤجر لم يكن له ترك متاعه في البادية المهلكة ، ولكن ينقله إلى مأمن بأجرة مثل يقدم بها على الغرماء ; لأنه لصيانة المال ، ثم في المأمن يضعه عند الحاكم . ولو وضعه عند عدل من غير إذن الحاكم ، فوجهان مذكوران في نظائرهما . لو باع عبدين ، فتلف أحدهما ، ثم أفلس ، نظر إن استحصد الزرع فله المطالبة بالحصاد ، وتفريغ الأرض ، وإلا فإن اتفق المفلس والغرماء على قطعه قطع أو على التبقية إلى الإدراك فلهم ذلك ، بشرط أن يقدموا المؤجر بأجرة المثل للمدة الباقية ; لأنها لحفظه على الغرماء . وإن اختلفوا ، فأراد بعضهم القطع ، وبعضهم التبقية ، فعن ولو فسخ والأرض المستأجرة مشغولة بزرع المستأجر أبي إسحاق : يعمل بالمصلحة ، والصحيح : أنه إن كان له قيمة قطع ، أجبنا من أراد القطع من المفلس والغرماء ، إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ، ولا عليهم انتظار النماء . فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أجرة المدة الماضية ، فهو أحد الغرماء ، فله طلب القطع ، وإن لم يكن له قيمة لو قطع أجبنا من طلب التبقية ، إذ لا فائدة لطالب القطع . وإذا أبقوا الزرع بالاتفاق ، أو بطلب بعضهم ، وأجبناه ، فالسقي وسائر المؤن إن تطوع بها الغرماء أو بعضهم ، أو أنفقوا عليه على قدر ديونهم فذاك ، وإن أنفق بعضهم ليرجع فلا بد من إذن الحاكم ، أو اتفاق الغرماء والمفلس . فإذا حصل الإذن ، قدم المنفق بما أنفق . وكذا لو أنفقوا على قدر ديونهم ، ثم ظهر غريم آخر ، قدم المنفقون بما أنفقوا على الغرماء . وهل [ ص: 153 ] يجوز الإنفاق عليه من مال المفلس ؟ وجهان . أصحهما : الجواز . ووجه المنع : أن حصول الفائدة متوهم .
قلت : وإن أنفق بإذن المفلس وحده ، على أن يرجع بما أنفق ، جاز وكان دينا في ذمة المفلس ، لا يشارك به الغرماء ; لأنه وجب بعد الحجر . وإن أنفق بعضهم بإذن باقيهم فقط ، على أن يرجع عليهم ، رجع عليهم في مالهم . والله أعلم .