[ ص: 228 ] كتاب الحوالة
. ومن أحيل على مليء استحب أن يحتال . ولا بد في وجودها من ستة أمور : محيل ، ومحتال ، ومحال عليه ، ودين للمحتال على المحيل ، ودين للمحيل على المحال عليه ، ومراضاة بالحوالة بين المحيل والمحتال . أصلها مجمع عليه
ويشترط في صحتها أمور . منها ما يرجع إلى الدينين ، ومنها ما يتعلق بالأشخاص الثلاثة .
وفي ، وجهان . أحدهما : أنها استيفاء حق ، كأن المحتال استوفى ما كان له على المحيل وأقرضه المحال عليه . إذ لو كانت معاوضة ، لما جاز فيها التفرق قبل القبض إذا كانا ربويين . وأصحهما : أنها بيع ، وهو المنصوص ؛ لأنها تبديل مال بمال . وعلى هذا ، وجهان . أحدهما : أنها بيع عين بعين ، وإلا ، فيبطل ، للنهي عن بيع دين بدين . والصحيح : أنها بيع دين بدين ، واستثني هذا للحاجة . قال الإمام وشيخه - رحمهما الله - : لا خلاف في اشتمال الحوالة على المعنيين : الاستيفاء والاعتياض ، والخلاف في أن أيهما أغلب ؟ حقيقة الحوالة
أما شروطها فثلاثة .
الأول : ، فلا تصح إلا برضى المحيل والمحتال . وأما المحال عليه ، فإن كان عليه دين للمحيل ، لم يعتبر رضاه على الأصح . وإن لم يكن ، لم يصح بغير رضاه قطعا . وبإذنه وجهان ، بناء على أنها اعتياض أم استيفاء ، إن قلنا : استيفاء ، صح ، وإلا ، فلا . فإن صححنا ، فوجهان . أحدهما : يبرأ المحيل بنفس الحوالة كسائر الحوالات . وأصحهما وبه قطع الأكثرون : لا يبرأ ، بل قبوله ضمان مجرد . فإن قلنا : لا تصح هذه الحوالة ، فلا شيء على المحال عليه . فإن تطوع وأداه ، كان قضاء لدين غيره . وإن قلنا : يصح ، فهو كما لو ضمن ، فيرجع على المحيل إن أدى بإذنه ، وكذا بغير إذنه على الأصح ، لجريان الحوالة بإذنه ، وفي رجوعه قبل [ ص: 229 ] الأداء ، وجهان بناء على براءة المحيل . إن قلنا : يبرأ ، فنعم ، وإلا فلا . وإذا طالب المحتال بالأداء ، فله مطالبة المحيل بتخليصه . وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال ؟ وجهان ، كالوجهين في مطالبة الضامن . ولو أبرأه المحتال ، لم يرجع على المحيل بشيء . ولو قبضه المحتال ثم وهبه له ، ففي الرجوع وجهان . الرضى
قلت أصحهما : الرجوع . - والله أعلم - .
ولو ضمن عنه ضامن ، لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال منه ، أو من ضامنه . ولو أحال المحتال على غيره ، نظر ، إن أحاله على من عليه دين ، رجع على محيله بنفس الحوالة ، لحصول الأداء بها . وإن أحال على من لا دين عليه ، لم يرجع ( ما لم يرجع ) عليه الذي أحال عليه .
فرع
قد ذكرنا أن الرضى شرط . والمراد به : الإيجاب والقبول . ولو ، ففيه الخلاف السابق في مثله في البيع . وقيل : ينعقد هنا قطعا ؛ لأن مبناها على الرفق والمسامحة . قال المحتال : أحلني . فقال : أحلتك
الشرط الثاني : . والدين ، ضربان . لازم ، وغيره . أما غيره ، ففيه مسائل . أن يكون دينا لازما ، أو مصيره إلى اللزوم
إحداها : الثمن في مدة الخيار ، تصح الحوالة به وعليه ، على الأصح . فإن منعنا ، ففي انقطاع الخيار به ، وجهان . وإن جوزنا ، فقطع الإمام : بأنه لا يبطل الخيار . فلو اتفق فسخ البيع ، بطلت الحوالة ؛ لأنها إنما صحت لإفضاء البيع إلى اللزوم . فإذا لم يفض ، لم تصح . ومنقول الشيخ والغزالي أبي علي واختياره ، بطلان [ ص: 230 ] الخيار ؛ لأن . فلو بقي الخيار ، فات مقتضاها ، فإن أبطلنا ، فأحال البائع المشتري على ثالث ، بطل خيارهما ، لتراضيهما . وإذا أحال البائع رجلا على المشتري ، لا يبطل خيار المشتري إلا إذا فرض منه قول ورضى . وأما مقتضى الحوالة اللزوم ، فالمذهب الذي عليه الجمهور : القطع بجوازها . الحوالة بالثمن بعد انقضاء الخيار ، وقبل قبض المبيع وللمسعودي إشارة إلى منعها ، لكونه غير مستقر . وقد اشتهر في كتب الأصحاب اشتراط استقرار ما يحال به وعليه .
المسألة الثانية : إذا ، لم يصح على الأصح . وقال أحال السيد على مكاتبه بالنجوم الحليمي : يصح . ولو ، صح على الأصح ، وبه قطع الأكثرون . ولو كان للسيد عليه دين معاملة ، فأحال عليه ، بني على أنه لو عجز نفسه ، هل يسقط ذلك الدين ؟ إن قلنا : لا ، صحت ، وإلا فلا . أحال المكاتب سيده بالنجوم
قلت : الأصح : الصحة ، وبه قطع صاحب " الشامل " . - والله أعلم - .
الثالثة : مال الجعالة . القياس أن يجيء في الحوالة به وعليه الخلاف المذكور في الرهن به وفي ضمانه . وقطع المتولي بجوازها به وعليه بعد العمل ، ومنعها قبله .
قلت : قطع الماوردي بالمنع مطلقا . - والله أعلم - .
قال المتولي : ، جاز إن قلنا : هي استيفاء . وإن قلنا : اعتياض فلا ، لامتناع أخذ العوض عن الزكاة . لو أحال من عليه الزكاة الساعي
الضرب الثاني : الدين اللازم ، فتجوز الحوالة به وعليه ، سواء اتفق الدينان في سبب الوجوب ، أو اختلفا ، بأن كان أحدهما ثمنا ، والآخر أجرة ، أو قرضا ، أو بدل متلف .
[ ص: 231 ] قلت : أطلق الإمام الرافعي ، أن الدين اللازم ، تصح الحوالة به وعليه ، واقتدى في ذلك بالغزالي ، وليس كذلك ، فإن دين السلم لازم ، ولا تصح الحوالة به ولا عليه على الصحيح ، وبه قطع الأكثرون . وحكي وجه في " الحاوي " و " التتمة " وغيرهما : أنه يجوز بناء على أنها استيفاء ، وسبقت هذه المسألة في باب حكم المبيع قبل القبض . فكان ينبغي أن يقول : الدين المستقر ، ليخرج هذا . - والله أعلم - .
فرع
، فسواء كان مثليا كالأثمان والحبوب ، أو متقوما كالثياب والعبيد . وفي وجه : يشترط كونه مثليا . ولا خلاف أنه يشترط العلم بقدر ما يحال به وعليه ، وبصفتهما ، إلا إذا أحال بإبل الدية أو عليها ، وصححنا الحوالة في المنقولات ، فوجهان ، أو قولان ، بناء على جواز المصالحة والاعتياض عنها . والأصح : المنع ، للجهل بصفتها . كل دين تجوز الحوالة به وعليه
الشرط الثالث : ، فيشترط اتفاقهما جنسا ، وقدرا ، وحلولا ، وتأجيلا ، وصحة ، وتكسرا ، وجودة ، ورداءة وفي وجه : تجوز الحوالة بالقليل على الكثير ، وبالصحيح على المكسر ، وبالجديد على الردئ ، وبالمؤجل على الحال ، وبالأبعد أجلا على الأقرب ، وكأنه تبرع بالزيادة . والصحيح : المنع . قال اتفاق الدينين المتولي : ومعنى قولنا : هذه الحوالة غير صحيحة عند الاختلاف ، أن الحق لا يتحول من الدراهم إلى الدنانير مثلا ، لكنها لو جرت فهي حوالة على من لا دين عليه وسبق حكمها .