الباب الثالث في الاختلاف
وهو ثلاثة أضرب .
الأول : في أصل العقد . فإذا ، فقال : وكلتني في بيع كله ، أو بيع نسيئة ، أو بعشرة ، فقال : بل في بيع بعضه ، أو بحال ، أو بخمسة ، فالقول قول الموكل . اختلفا في أصل الوكالة ، أو كيفيتها ، أو قدر ما يشترى به
فرع
أذن في شراء جارية ، فاشتراها الوكيل بعشرين ، وقال : أذنت لي في العشرين ، وقال الموكل : بل في عشرة ، وحلفناه ، فحلف ، فينظر في الشراء ، أكان بعين مال الموكل ، أم في الذمة ؟ فإن كان بعينه ، فإن ذكر في العقد أن المال لفلان ، وأن الشراء له ، فهو باطل . وإن لم يذكر في العقد ، وقال بعد الشراء : إنما اشتريت له ، فإن صدقه البائع ، فالعقد باطل ، فإذا بطل ، فالجارية للبائع وعليه رد ما أخذ . وإن كذبه البائع ، وقال : إنما اشتريت لنفسك والمال لك ، حلف على نفي العلم بالوكالة ، وحكم بصحة الشراء للوكيل في الظاهر ، وسلم الثمن المعين إلى البائع ، وغرم الوكيل مثله للموكل . وإن كان الشراء في الذمة ، نظر ، إن لم يسم الموكل بل نواه ، كانت الجارية للوكيل بالشراء له ظاهرا ، وإن سماه ، فإن صدقه البائع [ ص: 339 ] بطل الشراء ، لاتفاقهما على أنه للغير . وإن كذبه ، وقال : أنت مبطل في تسميته ، لزم الشراء للوكيل . وهل يكون كما لو اقتصر على النية ، أم يبطل الشراء ؟ وجهان سبق نظائرهما . أصحهما : صحته ووقوعه للوكيل . وحيث صححنا الشراء ، وجعلنا الجارية للوكيل ظاهرا ، وهو يزعم أنها للموكل ، قال المزني : رضي الله عنه : يستحب في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالآمر للمأمور ، فيقول : إن كنت أمرته أن يشتريها بعشرين ، فقد بعته إياها بعشرين . فيقول الآخر : قبلت ليحل له الفرج . قال أصحابنا : إن أطلق الموكل وقال : بعتكها بعشرين . فقال المشتري : اشتريت ، صارت الجارية له ظاهرا وباطنا . وإن علق كما ذكره والشافعي المزني ، فوجهان :
أحدهما : لا يصح ، للتعليق . قالوا : والتعليق فيما حكاه المزني من كلام الحاكم ، لا من كلام الموكل . وأصحهما : الصحة ؛ لأنه لا يتمكن من البيع إلا بهذا الشرط ، فلا يضر التعرض له . وسواء أطلق البيع ، أو علقه ، لا نجعل ذلك إقرارا بما قاله الوكيل . وإن امتنع الموكل من الإجابة ، أو لم يرفق به الحاكم ، نظر ، إن كان الوكيل كاذبا ، لم يحل له وطؤها ، ولا التصرف فيها ببيع ولا غيره إن كان الشراء بعين مال الموكل ؛ لأن الجارية للبائع . وإن كان في الذمة ، ثبت الحل ، لوقوع الشراء للوكيل ، لكونه مخالفا للموكل . وذكر في " التتمة " : أنه إذا كان كاذبا والشراء بعين مال الموكل ، فللوكيل بيعها بنفسه أو بالحاكم ؛ لأن البائع يكون أخذ مال الموكل بغير استحقاق ، وقد غرم الوكيل للموكل ، وكان له أن يقول للبائع : رد مال الموكل ، لكن تعذر ذلك باليمين ، فله أخذ حقه من الجارية التي هي ملكه .
[ ص: 340 ] وإن كان الوكيل صادقا ، ففيه أوجه .
أحدها : يحل للوكيل ظاهرا وباطنا ، فيحل له الوطء وكل تصرف ، حكي عن الإصطخري ، وهو بناء على أن الملك يقع للوكيل ، ثم ينتقل إلى الموكل . فإذا تعذر نقله ، بقي له . ومنهم من خص هذا الوجه بما إذا اشترى في الذمة ، وإليه مال الإمام .
والوجه الثاني : إن ترك الوكيل مخاصمة الموكل ، فالجارية له ظاهرا وباطنا ، وكأنه كذب نفسه ، وإلا فلا .
والثالث : وهو الأصح : أنه لا يملكها باطنا ، بل هي للموكل ، وللوكيل عليه الثمن ، فهو كمن له على رجل دين لا يؤديه ، فظفر بغير جنس حقه ، ففي جواز بيعه وأخذ الحق من ثمنه ، خلاف .
الأصح : الجواز . ثم هل يباشر البيع بنفسه ، أم يرفع الأمر إلى القاضي ليبيع ؟ فيه خلاف .
والأصح هنا : له البيع بنفسه ؛ لأن القاضي لا يجيبه إلى البيع . وإذا قلنا : ليس له أخذ حقه من ثمنها ، فهل يوقف في يده حتى يظهر مالكها ، ويأخذها الحاكم ويحفظها ؟ وجهان .
يأتي نظائرهما إن شاء الله تعالى .
فرع
لو ، وحلف عليه ، بقيت الجارية في يد الوكيل والحكم على ما ذكرناه في الصورة السابقة ، فيتلطف الحاكم ويرفق . اشترى جارية ، فقال الموكل : إنما وكلتك بشراء غيرها