الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم إنهم أثبتوا واجب الوجود بطريق الحركة، وأنه لا بد لها من محرك والمحرك هو المحبوب عندهم، الذي يحب التشبه به لا تحب ذاته، لأن الحركة الإرادية لا بد له من ذلك، وادعوا أنه لا بد له من محرك لا يتحرك، وقد بين فساد هذا في غير هذا الموضع من هذا الكتاب. [ ص: 221 ]

وابن رشد قرر طريقتهم على غاية ما أمكنه من الحسن والبيان، وهي كما ترى غايتها أن تكون الأجسام المتحركة محتاجة إلى آمر يحركها، والمراد بأمره بالحركة: كونه محبوبا لها، أي تحب أن تتشبه به، لا أنها تحب ذاته، كما ذكره سلفه الفلاسفة الذين بين طريقهم، وشبهه بالملك الآمر لمن دونه من نوابه في مملكته بأوامر، وكل واحد يأمر من دونه، وكلها ترجع إلى الآمر الأول.

ومعلوم أن الآمر لم يبدع شيئا من أعيان المأمورين: لا صفاتهم ولا أفعالهم، بل الملك الآمر له شعور بأمره، وطلب من المأمور، وأما كون الشيء محبوبا مشتاقا إليه أو للتشبه به، فليس في هذا صدور أمر من آمره، ولا شعور بالمحب المشتاق، ولا طلب لفعل منه.

وابن رشد قرر بأن الآمر لها هو المبدع لها، بأنها لو كانت موجودة من ذاتها، أي قديمة من غير علة ولا موجد، لجاز عليها أن لا تأتمر لآمر واحد لها بالتسخير، وألا تطيعه، كذلك حال الآمرين مع الآمر الأول، وإذا لم يجز ذلك عليها، فهنالك نسبة بينها وبينه اقتضت لها السمع والطاعة، وليس ذلك أكثر من أنها ملك له في عين وجودها. لا في عرض من أعراضها. [ ص: 222 ]

فيقال له: أنت لم تقرر أنه آمر لها، وسلفك إنما ذكروا أنه محبوب لها، أي تحب التشبه به، وهب أنه آمر لها، فأنت لم تذكر دليلا على أنها إذا كانت مأمورة كانت مملوكة، إلا قولك: (إنه ليس هنالك عبودية زائدة على الذات، بل تلك الذوات تقومت بالعبودية) . وهذه دعوى مجردة.

فلم لا يجوز أن يقال: تلك العبودية زائدة على الذات؟

وقولك: (إنها تقومت بالعبودية) : إن أردت تقومت بتعبدها الذي هو طاعتها وحركتها، فهذه دعوى أرسطو، وقد علم ما فيها. وبتقدير أن تكون حقيقتها هي تلك الحركة، بل يقتضي أن تكون الحركة شرطا في وجودها.

وإن أردت بتقومها بالعبودية تقومها بأن خلقها الله تعالى، فهذا هو المطلوب، ولم تذكر عليه حجة.

التالي السابق


الخدمات العلمية