الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فهذا الواحد الذي يقدرونه إنما يوجد في الأذهان لا في الأعيان، كالواحد الذي يجعلونه مبدأ المركبات العقلية، كما بسط هذا في موضع آخر.

وإذا كان كذلك، فما يقولونه في هذا المقام من أن حركة الفلك واحدة أزلية أبدية، وهي فعل الرب الدائم فعله، قول باطل لوجوه:

أحدها: أن الحركات ليست واحدة، بل حركات مختلفات وليس بعضها صادرا عن بعض. فقول القائل: إنها واحدة قول باطل.

الثاني: أن الحركة الدائمة سواء كانت واحدة أو متعددة، وسواء [ ص: 269 ] كانت نوعا واحدا أو أنواعا مختلفة تحدث شيئا بعد شيء، وإذا كان الأول علة تامة أزلية، كان مستلزما لمعلوله، فلا يتأخر عنه شيء من معلوله، بل يكون معلوله كله أزليا أبديا دائما بدوامه، إن أمكن مقارنة المعلول لعلته، لا يحدث منه شيء بعد شيء، فإن الحادث في الزمن الثاني يمتنع أن تكون علته تامة أزلية، لأن العلة التامة مستلزمة لمعلولها، وهو لا يكون بينه وبينها فصل، فكيف وأجزاء الحركة الحادثة شيئا بعد شيء كلها منفصلة عن الأزل؟ فامتنع أن يكون معلول علة تامة أزلية.

الثالث: أن يقال: كون المفعول المعين يقارن فاعله في الزمان، أمر لا يعقل وجوده في الخارج، وإنما يقدره الذهن، كما يقدر الممتنعات. وسواء سمي الفاعل علة أو لم يسم، فإنه لا تعقل علة صدر عنها معلول وهو مفعول لها، وكان زمانهما واحدا، ولكن قد يكون الشيء مستلزما لغيره ومقارنا له في الزمان، كاستلزام الذات لصفاتها اللازمة واستلزام حركة أحد الجسمين المتلازمين لحركة الآخر، كحركة الخاتم واليد، لكن لا يكون الملزوم فاعلا للازم، فإنه لا يعقل مفعول معين لازم لفاعله ألبتة.

ولكن لفظ (العلة) فيه إجمال واشتباه واشتراك، فقد يراد بها الملزوم الموجب، وقد يراد بها الفاعل. والملزوم الموجب الذي ليس بفاعل يعقل أن يقارنه لازمه وموجبه الذي ليس بمفعول له، لكن موجبه الذي هو [ ص: 270 ] مفعول له لا يعقل مقارنته له، لكن يعقل صدور الفعل عنه شيئا بعد شيء، فتكون المفعولات صادرة عنه شيئا بعد شيء.

وهؤلاء أصلوا أصلا فاسدا ظهر به فساد قولهم وهو أن العلة التامة التي تسمى المؤثر التام يجب أن يقارنه معلوله في الزمان بحيث لا يتأخر عنه، ولا يكون معلول إلا لعلة تامة. وهذا ناقضوا به المتكلمين الجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم في قولهم: إن المؤثر التام يجوز، بل قد يجب، أن يتراخى عنه أثره، فقالوا: الباري كان في الأزل مؤثرا تاما وتراخى عنه أثره. فقال أولئك: بل يجب أن يقارنه أثره.

التالي السابق


الخدمات العلمية