الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم علم النفس الفلكية بالحركات: إما كمال وإما نقص، فإن كان نقصا فينبغي تنزيه العالم العلوي منه، وإن كان كمالا فخالقها أحق بذلك منها. ثم تلك الحركات وتصورات النفس وإرادتها جميعها مفعولة [ ص: 191 ] للرب ومعلولة له على اصطلاحهم، وهو الخالق لها. والعلم بالعلة التامة يوجب العلم بالمعلول، فيجب علمه بها، وإذا علمها وهي سبب الحوادث-وجب علمه بالحوادث.

ودعواهم مع عدم علمه بالجزئيات أنه يعلم كل صفة في داخل الآدمي وباطنه، وكل ما هو من لواحقه وصفاته ولوازمه، حتى لا يعزب عن علمه شيء، ويعلمه كليا-دعوى اثنان في أمر موجود في الخارج، بل ولا يتماثل شيئان من كل وجه، وإن كانا يتشابهان من بعض الوجوه.

فالعلم بما يتشابه فيه الناس علم ببعض صفاتهم الكلية، ليس ذلك علما بجميع صفات كل واحد منهم، ولا صفة كل واحد وعوارضه تماثل الآخر من كل وجه، حتى يكون العلم بالقدر المشترك علما كليا يتناولهما، بل لكل واحد خصائص لا يشاركه فيها غيره.

والعلم بالقدر المشترك لا يتناول شيئا من تلك الخصائص.

والإنسان الموجود إنما كان هو الإنسان الموجود بخصائصه، لا بالقدر المشترك بينه وبين غيره.

بل ذلك القدر المشترك إنما يكون في العلم، لا يكون في الوجود.

فمن لم يعلم إلا الكلي -وهو القدر المشترك- لم يعلم شيئا من الموجودات البتة.

وإنما ننتفع نحن بالعلم الكلي في الأمور [ ص: 192 ] الموجودة، إذا أدرجنا الموجودات في الأمر الكلي، كما في علم الشرع والطب وغير ذلك.

فعلم الطبيب بأن السقمونيا تستخرج الصفراء، وأن الدم يستخرج بالفصد والحجامة، لا يوجب علما بما ينتفع به الناس، إن لم يعلم أن هذا به صفراء، وهذا قد زاد به الدم. فإذا علم المعينات مع الكليات انتفع بعلمه، وأمكن أن يكون له تأثير في الوجود، ويصير علما فعليا؛ أي هو شرط في الفعل.

فأما العلم الكلي بدون العلم بالجزيئات التي يفعلها الفاعل، فلا يكون علما فعليا، ولا يؤثر في وجود شيء ولا في فعله.

وبهذا يتبين أن قولهم: إن علم الرب تعالى فعلي، مع إخراج الجزئيات الموجودة عنه تناقض يعرفه من تصور القولين.

وعامة أقوال القوم متناقضة، لكن ضلالهم في مسألة العلم عظيم جدا، وهو من أقبح الكفر وأعظمه منافاة لصريح المعقول، وما فطر الله عليه عباده.

التالي السابق


الخدمات العلمية