الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1302 1303 1304 1305 1306 1307 1308 1309 1310 1311 1312 1313 1314 1315 1316 1317 1318 ص: فإن قال قائل: فقد روي عن نفر من أصحاب النبي - عليه السلام - أنهم كانوا يقرءون خلف الإمام ويأمرون بذلك، فذكروا ما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا أبو إسحاق الشيباني ، عن جواب بن عبيد الله التيمي، قال: ثنا يزيد بن شريك أبو إبراهيم التيمي، قال: "سألت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن القراءة خلف الإمام، فقال لي: اقرأ، قلت: وإن كنت خلفك؟ قال: وإن كنت خلفي، قلت: وإن قرأت؟ قال: وإن قرأت".

                                                حدثنا صالح ، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: أنا أبو بشر ، عن مجاهد ، قال: " سمعت عبد الله بن عمرو يقرأ خلف الإمام في صلاة الظهر من سورة مريم". .

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة ، عن حصين، قال: سمعت مجاهدا يقول: "صليت مع عبد الله بن عمرو الظهر والعصر، فكان يقرأ خلف الإمام".

                                                [ ص: 113 ] قيل له: قد روي هذا عمن ذكرت وقد روي عن غيرهم من أصحاب النبي - عليه السلام - خلاف ذلك.

                                                حدثنا فهد بن سليمان ، قال: ثنا أبو نعيم ، قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ومر على دار ابن الأصبهاني فقال: حدثني صاحب هذه الدار -وكان قد قرأ على أبي: عبد الرحمن - عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى ، قال: قال لي علي - رضي الله عنه -: "من قرأ خلف الإمام فليس على الفطرة". ) .

                                                حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا وهيب بن خالد ، عن منصور بن المعتمر ، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: "أنصت للقراءة; فإن في الصلاة شغلا، وسيكفيك ذلك الإمام".

                                                حدثنا مبشر بن الحسن البصري ، قال: ثنا أبو عامر ، -أو أبو جابر قال أبو جعفر: : أنا أشك- عن شعبة ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ... فذكر مثله.

                                                حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا أبو الأحوص ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ... فذكر نحوه.

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا حديج بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن علقمة ، عن ابن مسعود قال: "ليت الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا". ) .

                                                حدثنا الحسين بن نصر، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان ، عن الزبير ، عن إبراهيم ، عن علقمة ... فذكر مثله.

                                                حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن عبيد الله بن مقسم: ، أنه سأل عبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، فقالوا: لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات".

                                                [ ص: 114 ] حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب ، قال: أخبرني مخرمة بن بكير ، عن عبد الله بن الأشج ، عن أبيه، عن عبيد الله بن مقسم، قال: سمعت جابر بن عبد الله ... فذكر مثله.

                                                حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب ، قال: أخبرني مخرمة ، عن أبيه ، عن عطاء بن يسار ، عن زيد بن ثابت ، سمعه يقول: "لا يقرأ المؤتم خلف الإمام في شيء من الصلوات".

                                                حدثنا فهد، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي كثير -قال أبو جعفر: وهو إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير - عن يزيد بن قسيط ، عن عطاء بن يسار ، عن زيد ... فذكر مثله.

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا أبو صالح الحراني ، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن أبي جمرة ، قال: "قلت لابن عباس: ( أقرأ والإمام بين يدي؟ فقال: لا".

                                                حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن نافع: "أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل هل يقرأ أحد خلف الإمام؟ يقول: إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، قال: وكان عبد الله بن عمر لا يقرأ خلف الإمام".

                                                حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة ، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "تكفيك قراءة الإمام".

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله-: فهؤلاء جماعة من أصحاب النبي - عليه السلام - قد أجمعوا على ترك القراءة خلف الإمام، وقد وافقهم على ذلك ما قد روي عن النبي - عليه السلام - مما قدمنا ذكره، وشهد لهم النظر الذي قد ذكرنا; فذلك أولى مما قد خالفه والله أعلم.

                                                التالي السابق


                                                ش: أورد أهل المقالة الأولى على أهل المقالة الثانية بأن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يقرءون خلف الإمام ويأمرون بها، ولو لم يكن ذلك واجبا لما قرأوا ولا أمروا، وذكر الطحاوي ذلك عن اثنين من الصحابة: عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم -.

                                                [ ص: 115 ] أما أثر عمر - رضي الله عنه - فأخرجه: عن صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري ، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود ، عن هشيم بن بشير ، عن أبي إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني الكوفي ، عن جواب -بفتح الجيم، وتشديد الواو، وفي آخره باء موحدة- ابن عبيد الله التيمي الكوفي .

                                                عن يزيد بن شريك بن طارق التيمي تيم الرباب الكوفي والد إبراهيم التيمي قال: سألت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن هشيم ، عن الشيباني ... إلى آخره نحوه سواء.

                                                وأما أثر عبد الله بن عمرو فأخرجه من طريقين:

                                                أحدهما: عن صالح بن عبد الرحمن أيضا، عن هشيم بن بشير ، عن أبي بشر جعفر بن إياس -وهو ابن أبي وحشية- اليشكري الواسطي ، عن مجاهد بن جبر المكي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن هشيم ... إلى آخره نحوه.

                                                والآخر: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي ، عن مجاهد .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا هشيم، قال: أنا حصين قال: "صليت إلى جنب عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: فسمعته يقرأ خلف الإمام، قال: فلقيت مجاهدا فذكرت له ذلك، قال: فقال مجاهد: سمعت عبد الله بن عمرو يقرأ خلف الإمام".

                                                [ ص: 116 ] وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" : عن ابن عيينة ، عن حصين بن عبد الرحمن، قال: "سمعت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يقرأ في الظهر والعصر مع الإمام، فسألت إبراهيم، فقال: لا تقرأ إلا أن (تتهم) الإمام، وسألت مجاهدا، فقال: قد سمعت عبد الله بن عمرو يقرأ".

                                                وأخرجه البيهقي أيضا: من حديث هشيم ، عن حصين قال: "صليت إلى جنب عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فسمعته يقرأ خلف الإمام، فلقيت مجاهدا فذكرت له ذلك، فقال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ خلف الإمام في الظهر من سورة مريم".

                                                قوله: "قيل له" أي قيل لهذا القائل: نعم قد روي هذا عمن ذكرت من الصحابة، ولكن روي عن غيرهم من الصحابة أيضا خلاف ذلك، وهم: علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عباس، فهؤلاء ستة من أجلاء الصحابة روي عنهم خلاف ما روي عن عمر وعبد الله بن عمرو، وأنهم اتفقوا على ترك القراءة خلف الإمام مع ما وافقهم في ذلك ما روي عن النبي - عليه السلام - من ترك القراءة خلف الإمام، وهو الذي رواه أبو الدرداء وأبو هريرة ، وابن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك، فإنهم كلهم قد رووا عن النبي - عليه السلام - ما يوافق أقوال هؤلاء الصحابة على ما مر ذكره مستقصى، ومع شهادة وجه النظر والقياس الذي قد ذكر عن قريب، فبمثل هذا يترك ما روي عن غيرهم من الخلاف، وقد ذكر بعض أصحابنا أن منع المقتدي عن القراءة مأثور عن ثمانين من كبار الصحابة، منهم: علي والعبادلة وقد ذكر غير الطحاوي أيضا أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وسعد بن أبي وقاص .

                                                [ ص: 117 ] وقال عبد الرزاق في "مصنفه" : أخبرني موسى بن عقبة: "أن رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا ينهون عن القراءة خلف الإمام". وأخرج عن داود بن قيس ، عن محمد بن بجاد ، عن موسى بن سعد بن أبي وقاص، قال: ذكر لي أن سعد بن أبي وقاص قال: "وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه حجر".

                                                قلت: بجاد بكسر الباء الموحدة وبالجيم، وقال ابن ماكولا: بجاد بن موسى بن سعد بن أبي وقاص روى حديثه ابنه محمد بن بجاد وآخرون.

                                                أما أثر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: فأخرجه عن فهد بن سليمان ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين الكوفي الأحول شيخ البخاري ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي الفقيه القاضي، فيه مقال، فعن يحيى: ليس بذاك. وقال العجلي: كان فقيها صاحب سنة صادقا جائز الحديث. روى له الأربعة.

                                                عن عبد الرحمن بن عبد الله بن الأصبهاني من رجال الجماعة، عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى، قال أبو حاتم: منكر الحديث. يروي عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - وها هنا روى عن علي بدون واسطة.

                                                وكذا رواه الدارقطني في "سننه" : ثنا عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا محمد بن الفضل بن سلمة، ثنا أحمد بن يونس، ثنا عمرو بن عبد الغفار وأبو شهاب والحسن بن صالح ، عن ابن أبي ليلى ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن المختار بن عبد الله، أن عليا - رضي الله عنه - قال: "إنما يقرأ خلف الإمام من ليس على الفطرة".

                                                فإن قيل: قال البيهقي : هذا ضعيف لا يسوي ذكره.

                                                قلت: قد أخرج هذا من طرق متعددة.

                                                [ ص: 118 ] فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن محمد بن سليمان الأصبهاني ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن ابن أبي ليلى، عن علي - رضي الله عنه -: "من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة". ومحمد بن سليمان الأصبهاني قال الذهبي: صدوق. وأخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقواه ابن حبان، وباقي السند على شرط الصحيح، وقد جاء لمحمد بن الأصبهاني متابعة.

                                                فروى الدارقطني في "سننه" : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد، ثنا الحسين بن عبد الرحمن بن محمد الأزدي، ثنا عمي عبد العزيز بن محمد، ثنا قيس ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الله بن أبي ليلى قال: قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة".

                                                وأخرجه الدارقطني أيضا: عن المختار بن عبد الله ، عن أبيه، عن علي - رضي الله عنه -.

                                                وقال: ثنا بدر بن الهيثم القاضي، ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، ثنا وكيع ، عن علي بن صالح ، عن ابن الأصبهاني ، عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى ، عن أبيه، قال: قال علي - رضي الله عنه -: "من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة".

                                                وأخرجه أيضا : عن عمار ، عن عبد الله بن أبي ليلى ، عن علي - رضي الله عنه -.

                                                ثنا أحمد بن يحيى بن المنذر من أصل كتاب أبيه، ثنا أبي، ثنا قيس ، عن عمار الدهني ، عن عبد الله بن أبي ليلى، قال: قال علي - رضي الله عنه -: "من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة".

                                                وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" : عن داود بن قيس ، عن محمد بن عجلان، قال: قال علي - رضي الله عنه -: "من قرأ مع الإمام فليس على الفطرة".

                                                [ ص: 119 ] قال: وقال ابن مسعود: ملئ فوه ترابا. قال: وقال عمر بن الخطاب: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه حجر".

                                                وقال صاحب "التمهيد": ثبت عن علي وسعد وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - أنه لا قراءة مع الإمام لا فيما أسر ولا فيما جهر.

                                                قوله: "وكان قد قرأ على أبي: عبد الرحمن" القائل بهذا القول هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أي: كان عبد الرحمن بن الأصبهاني قد قرأ على أبي وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى .

                                                فقوله: "عبد الرحمن" عطف بيان لقوله: "أبي" وليس المجموع كنية لشخص، فافهم فإنه موضع التوهم.

                                                وقوله: "عن المختار" يتعلق بقوله: "حدثني صاحب هذه الدار" أي صاحب هذه الدار الذي هو عبد الرحمن بن الأصبهاني الذي قرأ على والدي عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثني عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى .

                                                قوله: "فليس على الفطرة" أراد ليس على دين الإسلام، يعني ليس على شرائط الدين، أو معناه: ليس على السنة كما في قوله: "عشر من الفطرة" أي من السنة يعني سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم فيها، فانظر إلى هذا الوعيد العظيم في الذي يقرأ خلف الإمام، ولو ثبت عند علي - رضي الله عنه - من النبي - عليه السلام - وجوب القراءة خلف الإمام لما قال بهذا القول .

                                                [ ص: 120 ] وأما أثر عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فأخرجه من أربع طرق ثلاثتها صحاح والرابع فيه حديج بن معاوية فيه مقال:

                                                الأول: عن نصر بن مرزوق ، عن الخصيب -بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة- بن ناصح الحارثي البصري نزيل مصر، وثقه ابن حبان وغيره.

                                                عن وهيب بن خالد بن عجلان البصري ، عن منصور بن المعتمر الكوفي ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة أدرك النبي - عليه السلام - ولم يره، وهؤلاء روى لهم الجماعة.

                                                وأخرجه عبد الرزاق : عن الثوري ، عن منصور ، عن أبي وائل قال: "جاء رجل إلى عبد الله فقال: يا أبا عبد الرحمن، أقرأ خلف الإمام؟ قال: أنصت للقرآن; فإن في الصلاة شغلا، وسيكفيك ذلك الإمام".

                                                وأخرجه الطبراني : عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق، به.

                                                قوله: "أنصت" أي اسكت، من أنصت ينصت إنصاتا إذا سكت سكوت مستمع وقد نصت أيضا، وأنصته إذا أسكته فهو لازم ومتعد.

                                                وقوله: "فإن في الصلاة شغلا" أي اشتغالا عن غيرها، أراد أنه يجب أن يكون على حضور وسكون، فمتى قرأ خلف الإمام ترك ذلك الحضور والسكون.

                                                قوله: "وسيكفيك ذلك الإمام" أشار به إلى القرآن، أي يكفيك الإمام القراءة، أراد أن قراءته تغني عن قراءتك، و"الإمام" مرفوع; لأنه فاعل "سيكفيك"، و"ذلك" في محل النصب على المفعولية.

                                                [ ص: 121 ] الثاني: عن مبشر بن الحسن بن مبشر القيسي ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي، أو أبي جابر محمد بن عبد الملك الأزدي، والشك فيه من الطحاوي ، عن شعبة ، عن منصور بن المعتمر ، عن أبي وائل ، عن عبد الله .

                                                وأخرجه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان وشعبة ، عن منصور ، عن أبي وائل: "أن رجلا سأل ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام، فقال: أنصت للقرآن; فإن في الصلاة شغلا وسيكفيك ذاك الإمام"، وقال البيهقي: وإنما يقال: أنصت لما يسمع.

                                                قلت: جاء عن ابن مسعود أنه لا قراءة خلف الإمام مطلقا كما قد ذكرناه.

                                                الثالث: عن روح بن الفرج القطان ، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري ، عن أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن منصور ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن شيبة في "مصنفه" : ثنا أبو الأحوص ، عن منصور ، عن أبي وائل قال: "جاء رجل إلى عبد الله فقال: أقرأ خلف الإمام؟ فقال له عبد الله: إن في الصلاة شغلا، وسيكفيك ذلك الإمام".

                                                الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن حديج -بضم الحاء المهملة- بن معاوية بن حديج بن الرحيل الكوفي أخي زهير بن معاوية، فيه مقال; فعن يحيى بن معين: ليس بشيء، وعن النسائي: ضعيف، وقال أبو حاتم: محله الصدق.

                                                عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن علقمة بن قيس النخعي ، عن عبد الله بن مسعود ... إلى آخره.

                                                وأخرجه الطيالسي في "مسنده".

                                                [ ص: 122 ] واعلم أن قضية التراب والحجر قد رويت عن أربعة من عظماء الصحابة وأكابرهم وهم: عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - وقد ذكرنا ذلك كله.

                                                قوله: "ليت الذي" أي: ليت الرجل الذي، أو: ليت المصلي الذي، أو ليت المقتدي الذي يقرأ القرآن خلف الإمام، و"ليت" كلمة تمن، والتمني: ما لا مطمع في وقوعه، كقولك: ليت الشباب يعود.

                                                قوله: "ملئ" على صيغة المجهول، و"فوه" مرفوع بإسناده إليه، و"ترابا" نصب على المفعولية.

                                                وأخرج الطحاوي هذا أيضا مقتصرا على علقمة بن قيس: عن الحسن بن نصر بن المعارك ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن سفيان الثوري ، عن الزبير بن عدي الهمداني الكوفي قاضي الري ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة بن قيس .

                                                وأخرجه عبد الرزاق : عن معمر ، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس قال: "وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه- قال: أحسبه قال: ترابا أو رضفا".

                                                وكذا روي عن الأسود أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا ابن علية ، عن أيوب وابن أبي عروبة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم قال: قال الأسود: "لأن أعض على جمرة أحب إلي من أن أقرأ خلف الإمام أعلم أنه يقرأ".

                                                ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن وبرة، عن الأسود بن يزيد أنه قال: "وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا".

                                                وأخرج عبد الرزاق : عن الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم، عن الأسود [ ص: 123 ] قال: "وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام إذا جهر، عض على جمرة".

                                                وأما أثر عبد الله بن عمر فأخرجه من ثلاث طرق:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن حيوة بن شريح بن صفوان التجيبي المصري الفقيه الزاهد العابد ، عن بكر بن عمرو المعافري المصري إمام جامعها، عن عبيد الله بن مقسم القرشي المدني ... إلى آخره.

                                                وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وهذا مخرج عن ثلاثة من الصحابة وهم: ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وجابر بن عبد الله; فإنهم قالوا: لا يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات.

                                                وأخرج عبد الرزاق : عن داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم: "أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان ينهى عن القراءة خلف الإمام".

                                                وأخرج : عن الثوري ، عن ابن ذكوان، عن زيد بن ثابت ، وابن عمر "كانا لا يقرآن خلف الإمام".

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن وكيع ، عن الضحاك بن عثمان ، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر، قال: "لا تقرأ خلف الإمام".

                                                وعن وكيع أيضا، عن الضحاك بن عثمان ، عن عبد الله بن يزيد ، عن ابن ثوبان، عن زيد بن ثابت، قال: "لا تقرأ خلف الإمام إن جهر ولا إن خافت".

                                                وعن وكيع أيضا، عن عمر بن محمد ، عن موسى بن سعد، عن زيد بن ثابت قال: "من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له".

                                                [ ص: 124 ] الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى أيضا، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن نافع، أن عبد الله بن عمر ... إلى آخره.

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح في غاية الصحة وأخرجه يحيى بن يحيى في "موطئه" عن مالك إلى آخره نحوه.

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .. إلى آخره.

                                                وهذا أيضا صحيح في غاية الصحة وأخرج البيهقي معارضا لهذا: من حديث الجريري ، عن أبي الأزهر قال: "سئل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن القراءة خلف الإمام فقال: إني لأستحي من رب هذه البنية أن أصلي صلاة لا أقرأ فيها بأم القرآن".

                                                قلت: هذه معارضة باطلة; فإن إسناد ما ذكره منقطع، والصحيح عن ابن عمر عدم وجوب القراءة خلف الإمام.

                                                وقد أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" : عن داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم: "أن ابن عمر كان ينهى عن القراءة خلف الإمام".

                                                وأخرج أيضا: عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال: "نهى رسول الله - عليه السلام - عن القراءة خلف الإمام، قال: وأخبرني أشياخنا أن عليا قال: من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له".

                                                وأخرج أيضا: عن ابن جريج قال: أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول: "إذا كنت مع الإمام فحسبك قراءة الإمام".

                                                [ ص: 125 ] وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن ابن علية ، عن أيوب ، عن نافع وأنس بن سيرين، قالا: قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "تكفيك قراءة الإمام".

                                                وأما أثر جابر بن عبد الله: فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج أبي المسور المدني من رجال مسلم ، عن أبيه بكير بن عبد الله من رجال الجماعة، عن عبيد الله بن مقسم المدني ، عن جابر .

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                فإن قيل: قال أحمد: مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا. وكذا قال يحيى بن معين، وقال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديثا واحدا وهو حديث الوتر.

                                                قلت: قال معن بن عيسى: مخرمة سمع من أبيه. وقال مالك: قلت لمخرمة: ما حدثت عن أبيك سمعته منه؟ فحلف بالله لقد سمعته.

                                                وأما أثر زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مخرمة ، عن أبيه بكير بن عبد الله ، عن عطاء بن يسار ، عن زيد بن ثابت .

                                                وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" : عن داود بن قيس، قال: أخبرني عمر بن محمد بن زيد بن عمر بن الخطاب، قال: حدثني موسى بن سعيد، عن زيد بن ثابت قال: "من قرأ مع الإمام فلا صلاة له".

                                                الثاني: عن فهد بن سليمان ، عن علي بن معبد بن شداد ، عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن عطاء بن يسار ، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -.

                                                [ ص: 126 ] وأخرجه البيهقي : من حديث إسماعيل بن جعفر ، عن يزيد بن خصيفة ، عن ابن قسيط ، عن عطاء بن يسار، أنه أخبره: "أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام، فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء". قال البيهقي: هذا محمول على جهر الإمام.

                                                قلت: لا نسلم ذلك; لعدم القرينة على ذلك، وقوله: "لا قراءة" نكرة في موضع النفي فتعم.

                                                وأما أثر ابن عباس - رضي الله عنهما -: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي صالح الحراني واسمه عبد الغفار بن داود أحد أصحاب أبي حنيفة، وقال ابن ماكولا: كان ثقة ثبتا فقيها على مذهب أبي حنيفة - رضي الله عنه -.

                                                عن حماد بن سلمة ، عن أبي جمرة -بالجيم والراء المهملة- الضبعي واسمه نصر بن عمران بن عاصم من رجال الجماعة.

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                فإن قيل: روي عن ابن عباس خلاف هذا.

                                                فقال ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا حفص ، عن ليث ، عن عطاء، عن ابن عباس قال: "لا تدع أن تقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب جهر أو لا".

                                                قلت: ما رواه الطحاوي أصح إسنادا من هذا، فلا يعارض به; فإن ليث بن أبي سليم متكلم فيه.




                                                الخدمات العلمية