الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا ) أي : كلاهما ( حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن ابن حصين ) بفتح أوله ( عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رآني في المنام فقد رآني ) أي : حقيقة أو حقا أو فقد تحقق أنه رآني أو فقد رآني ولم ير غيري ( فإن الشيطان لا يتصور ) أي : لا يقدر أن يظهر أو يظهر بصورتي ( أو قال لا يتشبه بي ) والشك في غير الجار والتصور والتشبه والتمثل متقاربة المعنى وإن [ ص: 293 ] كانت مختلفة المبنى هذا ، ولا يبعد أن يراد بقوله فقد رآني فسيراني وأنه أتى بالصيغة الماضوية المؤكدة بقد التحقيقية إشارة إلى كمال تحققه مع أن الشرط يحول الماضي إلى الاستقبال كما هو معلوم عند أرباب الحال فيوافق ما رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا .

من رآني في المنام فسيراني في اليقظة .

فيكون إشارة إلى بشارة الرائي له عليه السلام بحصول موته على الإسلام ووصوله إلى رؤيته في دار المقام ويقويه ما رواه جماعة وصححه المصنف بلفظ فقد رآني في اليقظة ، والأظهر أن يقال المعنى فكأنما رآني في اليقظة كما ورد في رواية ، وقيل أنه مختص بأهل زمانه - صلى الله عليه وسلم - أي : من رآني في المنام يوفقه الله تعالى لرؤيتي في اليقظة انتهى ، ولا يخفى بعد هذا المعنى مع عدم ملاءمته لعموم من في المبنى على أنه يحتاج إلى قيود منها أنه لم يره قبل ذلك ومنها أن الصحابة غير داخل في العموم ومنها تقييد رؤية اليقظة بالإيمان فإن رؤيته بغيره كلا رؤية ، سواء فيه الرؤيا والرؤية ، هذا وقد قال ابن بطال قوله سيراني في اليقظة يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق لا أنه يراه في الآخرة ؛ لأن كل أمته كذلك ، وقال المازري إن كان المحفوظ فكأنما رآني في اليقظة فمعناه ظاهر أو فسيراني في اليقظة احتمل أن معناه أنه أوحي إليه بأن من رآه من أهل عصره نوما ولم يهاجر إليه كان ذلك علامة على أنه سيهاجر إليه انتهى ، وتقدم وجه بعده .

وقال عياض يحتمل أن رؤياه نوما بصفته المعروفة موجبة لتكرمة الرائي برؤية خاصة في الآخرة إما بقرب أو شفاعة بعلو درجته ونحو ذلك قال : ولا يبعد أن يعاقب بعض المذنبين بالحجب عنه - صلى الله عليه وسلم - في القيامة مدة انتهى .

وهو يؤيد ما قدمناه ، وقيل معناه فسيراني في المرآة التي كانت له - صلى الله عليه وسلم - إن أمكنه ذلك كما حكي عن ابن عباس أنه لما رآه نوما دخل على بعض أمهات المؤمنين فأخرجت له مرآته - صلى الله عليه وسلم - فرأى صورته عليه السلام ولم ير صورة نفسه قال بعض الحفاظ ، وهو من أبعد المحامل أقول لو صح فهو إما معجزة له - صلى الله عليه وسلم - أو كرامة لابن عباس - رضي الله عنهما - ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية