الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر قالا ) أي : كلاهما ( حدثنا عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي ) بكسر الراء ( وكان يكتب المصاحف ) إشارة إلى بركة علمه وثبوت حلمه فلهذا رأى تلك الرؤية العظيمة ( قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام زمن ابن عباس - رضي الله عنهما - ) أي : في زمان وجوده ( فقلت لابن عباس إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال ابن عباس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي فمن رآني في النوم ) وفي نسخة في المنام ( فقد رآني ) أي : حقيقة أو كأنه رآني يقظة ( هل تستطيع أن تنعت هذا الرجل الذي رأيته في النوم ) النعت وصف الشيء بما فيه من حسن ، ولا يقال في القبيح إلا أن يتكلف متكلف فيقول نعت سوء ، والوصف يقال في الحسن والقبح كذا في النهاية ( قال ) أي : الرائي ( نعم أنعت لك رجلا ) وفي نسخة رجل أي : هو رجل ( بين رجلين ) أي : كثير اللحم وقليله أو البائن والقصير ، والمعنى أنه كان متوسطا بينهما ، وهو لا ينافي أنه مائل إلى الطول والظرف خبر مقدم لقوله ( جسمه ولحمه ) أو هو فاعل الظرف كذا حرره ميرك وتبعه ابن حجر وقرره والجملة صفة رجلا وكذا قوله ( أسمر إلى البياض ) أي : مائل إليه فيكون بين البياض والحمرة كما سبق أن بياضه مشرب بها فقط وضبط أسمر بالرفع والنصب فالرفع على أنه نعت رجل أو خبر لمبتدأ مقدر والنصب على أنه تابع لرجل أو لكان مقدرا وكذا قوله ( أكحل العينين ) أي : خلقة ( حسن الضحك ) أي : تبسما ( جميل دوائر الوجه ) أي : الحسن أطرافه ووجه الجمع أن كل جزء دائرة مبالغة ( قد ملأت لحيته ما بين هذه ) أي : الأذن ( إلى هذه ) أي : الأذن الأخرى إشارة إلى عرضها ( قد ملأت ) أي : لحيته ( نحره ) أي : عنقه إشارة إلى طولها ( قال عوف ) أي الراوي عن الرائي ( ولا أدري ما كان ) أي : النعت الذي كان ( مع هذا النعت ) أي : النعت المذكور مما ذكره يزيد ففيه إشعار بأنه ذكر نعوتا أخر وأنه نسيها ، وهذا هو الظاهر المتبادر كما لا يخفى على غير المعاند والمكابر ولو كان من الأكابر ، ثم رأيت شارحا صرح به حيث قال وعن بعضهم أن ما استفهامية بأن قال الراوي شيئا آخر فنسيه عوف فقال على طريق الاستفهام ، ولا أدري ما كان إلخ لكن أبعد بنقله عن بعضهم أن ما بمعنى من ، وقال ابن حجر أي : لا أعلم الذي وجد [ ص: 297 ] من صفاته في الخارج مع هذا النعت هل هو مطابق له أو لا ، وهذا ظاهر لا غبار عليه ولم يهتد إليه من أبدى فيه ترديدات لغيره كلها متكلفة بل أكثرها تهافت انتهى .

وهو يعني به كلام العصام وأنا ما رأيت شرحه في هذا المقام ، وإنما رأيت قول ميرك في تحقيق المرام ، وهو في غاية من النظام حيث قال ما استفهامية ، والمراد : أنه لا مزيد على هذا النعت ويحتمل أن يكون موصولة أي : لا أدري الزيادة على هذا النعت هل هو تام ، وقيل المعنى لا أسمع من يزيد ما كان زائدا على هذا النعت انتهى ، والظاهر أن هذا مبني على أن عوفا هو الرائي ، وهو وهم فإنه الراوي ( فقال ابن عباس ) أي : للرائي ( لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا قال أبو عيسى رحمه الله ) كذا في بعض النسخ ، وهو دليل على أنه ملحق ( ويزيد الفارسي هو يزيد بن هرمز ) بضم الهاء والميم ممنوعا ، وهو موافق لما قاله بعض في أسماء الرجال ، والصحيح أنه غيره ، فإن يزيد بن هرمز مدني من أوساط التابعين ، ويزيد الفارسي بصري مقبول من صغار التابعين كما يعلم من التقريب وتهذيب الكمال ، والله أعلم بحقيقة الحال ، قال ميرك نقلا عن التقريب : إن يزيد بن هرمز المدني مولى بني ليث ، وقد أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، ثقة من الثالثة على رأس المائة ، وهو غير يزيد الفارسي البصري ; فإنه مقبول من الرابعة ، وأخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي ( وهو ) أي : ابن هرمز ( أقدم من يزيد الرقاشي ) بتخفيف القاف ، ثم معجمة ( وروى يزيد الفارسي عن ابن عباس أحاديث ) أي : عديدة ( ويزيد الرقاشي لم يدرك ابن عباس ، وهو يزيد بن أبان ) بالصرف ، ويجوز منعه ( الرقاشي ) قال في التقريب هو أبو عمرو البصري القاص بتشديد المهملة ، زاهد ضعيف من الخامسة ، مات قبل العشرين ومائة ، ( وهو ) أي : الرقاشي ( يروي عن أنس بن مالك ، ويزيد الفارسي ، ويزيد الرقاشي كلاهما من أهل البصرة ) أي : فمن قال أنهما واحد لاتحاد اسمهما وبلدهما فقد توهم ( وعوف بن أبي جميلة ) أي : الراوي عن يزيد الفارسي ( هو عوف الأعرابي ، حدثنا أبو داود ) وفي نسخة قال حدثنا ، وهو موهم أن يكون الضمير لعوف ، وهو غير صحيح ; فلو صح وجوده فالضمير إلى المصنف ، وفي نسخة صحيحة حدثنا بذلك أبو داود ، فالمشار إليه كون عوف هو الأعرابي ( سليمان ) بدل أو بيان ( ابن مسلم ) بفتح فسكون ( البلخي حدثنا النضر بن شميل ) بالتصغير ( قال ) أي : النضر ( قال عوف الأعرابي أنا أكبر من قتادة ) أي : سنا ، والمقصود من إيراد هذا الإسناد أن عوفا هو الأعرابي بدليل تعبير النضر عنه بعوف الأعرابي ، وقال ابن حجر تبعا لشارح : عرفه من أن قتادة يروي عن ابن عباس فإذا كان راوي يزيد الذي هو عوف أكبر من راوي ابن عباس ، لزم أن يزيد أدرك ابن عباس ، فصح ما قدمه الترمذي أن يزيد روى عن ابن عباس وأدركه ، وإن لم تلزمه رؤيته إلا أنه يستأنس به لذلك انتهى ، وهو غير صحيح ؛ لأن الترمذي قد جزم بأن يزيد الفارسي روى عن [ ص: 298 ] ابن عباس أحاديث ، فلا يحتاج إلى الاستدلال بمثال هذا المقال مع أن كلا من الرؤية والرواية لا تثبت بمجرد الاحتمال ، فإن إمكان رؤية يزيد الفارسي ابن عباس لا يستلزم رؤيته بالفعل ، مع أن المدعي ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية