الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرابع : أن لا يتبسط في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد يفسد خلقها ويسقط بالكلية هيبته عندها ، بل يراعي الاعتدال فيه فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكرا ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات البتة بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمر وامتعض .

قال الحسن والله ما أصبح رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في النار .

وقال عمر رضي الله عنه : خالفوا النساء ، فإن في خلافهن البركة .

وقد قيل : شاوروهن وخالفوهن .

وقد قال صلى الله عليه وسلم : تعس عبد الزوجة .

وإنما قال ذلك ; لأنه إذا أطاعها في هواها فهو عبدها .

وقد تعس فإن الله ملكه المرأة فملكها نفسه فقد عكس الأمر ، وقلب القضية وأطاع الشيطان لما قال : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ، إذ حق الرجل : أن يكون متبوعا لا تابعا وقد ، سمى الله الرجال قوامين على النساء وسمى الزوج سيدا فقال تعالى وألفيا سيدها لدا الباب فإذا انقلب السيد مسخرا فقد بدل نعمة الله كفرا ونفس المرأة على مثال نفسك إن أرسلت عنانها قليلا جمحت بك طويلا ، وإن أرخيت عذارها فترا جذبتك ذراعا ، وإن كبحتها وشددت يدك عليها في محل الشدة ملكتها .

قال الشافعي رضي الله عنه ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك ، وإن أهنتهم أكرموك : المرأة ، والخادم ، والنبطي أراد به إن محضت الإكرام ولم تمزج غلظك بلينك ، وفظاظتك برفقك .

وكانت نساء العرب يعلمن بناتهن اختبار الأزواج وكانت المرأة تقول لابنتها اختبري زوجك قبل الإقدام والجراءة عليه ، انزعي زج رمحه فإن سكت فقطعي اللحم على ترسه ، فإن سكت فكسري العظام بسيفه ، فإن سكت فاجعلي الإكاف على ظهره ، وامتطيه فإنما هو حمارك .

وعلى الجملة : فبالعدل قامت السماوات والأرض فكل ما جاوز حده انعكس على ضده فينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ذلك لتسلم ; من شرهن فإن كيدهن عظيم وشرهن فاش والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة .

وقال صلى الله عليه وسلم : مثل المرأة الصالحة في النساء ، كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب .

والأعصم ، يعني : الأبيض البطن .

وفي وصية لقمان لابنه : يا بني اتق المرأة السوء ، فإنها تشيبك قبل الشيب ، واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى خير وكن من خيارهن على حذر .

وقال صلى الله عليه وسلم : استعيذوا من الفواقر الثلاث .

وعد منهن : المرأة السوء ، فإنها المشيبة قبل الشيب .

وفي لفظ آخر إن دخلت عليها سبتك وإن غبت عنها خانتك وقد قال صلى الله عليه وسلم في خيرات النساء إنكن صواحبات يوسف .

يعني إن : صرفكن أبا بكر عن التقدم في الصلاة ميل منكن عن الحق إلى الهوى .

قال الله تعالى حين أفشين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، أي : مالت وقال ذلك في خير أزواجه .

وقال عليه السلام : لا يفلح قوم تملكهم امرأة وزجر عمر - رضي الله عنه - امرأته لما راجعته وقال : ما أنت أنت لعبة في جانب البيت ، إن كانت لنا إليك حاجة ، وإلا جلست كما أنت فإذا فيهن شر وفيهن ضعف فالسياسة والخشونة علاج الشر ، والمطايبة والرحمة علاج الضعف ، والطبيب الحاذق هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء فلينظر الرجل أولا إلى أخلاقها بالتجربة ثم ليعاملها بما يصلحها كما يقتضيه حالها .

التالي السابق


(الرابع: أن لا ينبسط في الدعابة) والفكاهة، والمزاح (وحسن الخلق والموافقة) معها (باتباع هواها) فيما تميل إليها نفسها مرة واحدة (إلى حد يفسد خلقها) بإرخاء الرسن لها (وتسقط بالكلية هيبته) وحشمته (عندها، بل يراعي) حد (الاعتدال فيه) ولا يتجاوز (ولا يدع الهيبة) والوقار، والعز (والانقباض) والشمم (مهما رأى منكرا) شرعيا أو عرفيا منها (ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات ألبتة) بسكوته عنها (بل مهما رأى ما يخالف الشرع) الظاهر (و) يجانب (المروءة) الإيمانية (تنمر) أي: صار شبه النمر في الغضب (وانتفض) كما ينتفض الليث الحرد، ردعا لذلك المنكر .

(قال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: (ما أصبح رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في النار) . نقله صاحب القوت، والكب، هو: الإلقاء. (وقال عمر رضي الله عنه: خالفوا النساء، فإن خلافهن البركة) . رواه العسكري في الأمثال، من حديث حفص بن عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال: قال عمر: فذكره، كذا في المقاصد للسخاوي. (وقد قيل: شاوروهن وخالفوهن) هكذا اشتهر على الألسنة، وليس بحديث، ويدل له: حديث أنس، رفعه: لا يفعلن أحدكم أمرا حتى يستشير، فإن لم يجد من يستشير، فليستشر امرأة، ثم ليخالفها، فإن في خلافها البركة. أخرجه ابن لال، ومن طريقه الديلمي، من حديث أحمد بن الوليد الفحام، حدثنا كثير بن هشام، حدثنا عيسى بن إبراهيم الهاشمي، عن عمر بن محمد، عنه، وعيسى ضعيف جدا، مع انقطاعهم فيه .

(وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: تعس عبد الزوجة) . هكذا هو في القوت. قال العراقي: لم أقف له على أصل، والمعروف: تعس عبد الدينار، [ ص: 357 ] وعبد الدرهم... الحديث، رواه البخاري، من حديث أبي هريرة، اهـ. قلت: رواه من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عنه، وفي لفظ للعسكري، من طريق الحسن، عن أبي هريرة: لعن، بدل تعس (وإنما قال ذلك; لأنه إذا أطاعها في هواها فهو عبدها، وقد تعس) بكسر العين، لغة في تعس، بفتحها، أي: أكب على وجهه، وعثر، وقيل: هلك، وقيل: لزمه الشر (فإن الله تعالى ملكه المرأة) وجعلها كالأسيرة في يديه، وجعله قواما عليها، ومهيمنا (فملكها نفسه) بأن يصير مطيعا لهواها (فقد عكس الأمر، وقلب القضية) وخالف حكمة الله، فانقلب الأمر عليه وكأنه قد (أطاع الشيطان) ووافقه (لما قال: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، إذ حق الرجل: أن يكون متبوعا لا تابعا، فقد سمى الله الرجال قوامين على النساء) فله الهيمنة عليهن، من كل وجه، والمرأة سفيهة، فلا ينبغي إطاعتها، وبه فسر قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ، يعني: النساء والصبيان، وقد ورد: طاعة النساء ندامة. (وسمى) الله (الزوج سيدا) فلا يجعل امرأته ربته، فيكون عبدا لها; لأنه (قال) الله تعالى في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- وامرأة العزيز: ( وألفيا سيدها لدا الباب ) يعني: يوسف -عليه السلام-، وزليخا، وسيدها زوجها (فإذا انقلب السيد) المالك (مسخرا) مملوكا (فقد) جهل، و (بدل نعمة الله كفرا) أشار به إلى قوله تعالى: الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار (و) لا ينبغي أن تعودها عادة فتجترئ عليك، وتطلب المعتاد منك إذ (نفس المرأة على مثال نفسك) في الأخلاق سواء (إن أرسلت عنانها قليلا جمحت بك طويلا، وإن أرخيت عذارها فترا جذبتك ذراعا، وإن كبحتها) أي: كففتها (وشددت يدك عليها في محل الشد ملكتها) فلعلها أن تطوع لك، وحيث إن المرأة على مثال أخلاق النفس سواء فقد قال في معناه البوصيري رحمه الله تعالى:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على * حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

.

(قال الشافعي رضي الله عنه) فيما يروى عنه: (ثلاثة إن أكرمتهم هانوك، وإن أهنتهم أكرموك: المرأة، والخادم، والنبطي) هكذا نقله صاحب القوت، والمراد بالخادم: الذي يخدمك بالأجرة، والنبطي محركة: السوادي، وهو الذي يخدم الأرض بالزراعة والحراثة، وفي هذا المعنى ما اشتهر على الألسنة: ثلاثة لا ينفع فيهم الإكرام: الصوف، والمرأة، والفلاح. (أراد به) الشافعي (إن محضت الإكرام) أي: أخلصته (ولم تمزج غضبك بلينك، وفظاظتك برفقك) لم يبالوا بك، ولم يهابوك، ولم يعتبروك. وقول الشافعي -رضي الله عنه- صحيح، وما قاله إلا عن تجربة صحيحة، وهو مشاهد محسوس، لا يستراب في أحد هؤلاء الثلاثة، وقد قيل في الأخير:

*سود الوجوه إذا لم يظلموا ظلموا

* .

(وكانت نساء العرب يعلمن بناتهن اختبار الأزواج) وامتحانهن (كانت المرأة تقول لابنتها) إذا نكحت: يا بنتي (اختبري) حليلك، أي: (زوجك قبل الإقدام) أي: قبل أن تقدمي عليه (و) قبل (الجراءة عليه، انزعي زج رمحه) وهو الحديد الذي فيه (فإن سكت على ذلك) ولم ينهك (فقطعي اللحم على ترسه، فإن سكت على ذلك) وأقر (فكسري العظام بسيفه، فإن صبر) ولم يغضب عليك (فاجعلي الإكاف) أي: البرذعة (على ظهره، وامتطيه) أي: اركبيه (فإنما هو حمارك) شبهته بالحمار في كمال البلادة، وعدم الشعور، ومن هنا قول الشافعي رضي الله عنه: من استغضب فلم يغضب فهو حمار .

(وعلى الجملة: فبالعدل قامت السموات والأرض) وما فيهن، وبه تم نظام العالم، ولولا العدل لفسدت الأحوال (وكلما جاوز) الشيء (حده انعكس على ضده) وهذه قاعدة كلية مشهورة، وهو المراد بقولهم: حب التناهي غلط، خير الأمور الوسط (فينبغي أن يسلك سبيل الاقتصاد) والتوسط (في المخالفة والموافقة) بأن لا يوافقها في هواها كلية حتى تخرجه عن الدين، ولا يخالفها مرة فيوقعها في الحرج المؤثم (ويتبع الحق في جميع ذلك; ليسلم من شرهن) وكيدهن (فإن كيدهن عظيم) بنص القرآن (وشرهن فاش) أي: ظاهر (والغالب عليهن سوء الخلق) وشراسته، وجمود الطبع (وركاكة العقل) أي: ضعفه (ولا يعتدل ذلك [ ص: 358 ] منهن إلا بنوع لطف) ولين (ممزوج بسياسة) وتدبير (قال -صلى الله عليه وسلم-: مثل المرأة الصالحة) الموصوفة بالصلاح، والعفة، والدين (في) جملة (النساء، كمثل الغراب الأعصم بين مائتي غراب، يعني: الأبيض البطن) هكذا هو في القوت. قال العراقي: رواه الطبراني من حديث أبي أمامة، بسند ضعيف .

ولأحمد من حديث عمرو بن العاص: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمر الظهران، فإذا بغربان كثيرة، فيها غراب أعصم، أحمر المنقار، فقال: لا يدخل الجنة من النساء إلا مثل هذا الغراب في هذه الغربان. وإسناده صحيح، وهو في السنن الكبرى للنسائي، اهـ .

قلت: أما حديث أبي أمامة الذي عند الطبراني في الكبير، فلفظه بعد قوله: كمثل الغراب الأعصم، قيل: يا رسول الله، وما الغراب الأعصم؟ قال: هو الذي إحدى رجليه بيضاء، وفي سنده مطرح بن يزيد، قال الهيثمي: وهو مجمع على ضعفه، وأما حديث عمرو بن العاص، فرواه أيضا الطبراني في الكبير، والحاكم، ولفظهم: لا يدخل الجنة من النساء إلا كقدر هذا الغراب الأعصم من هذه الغربان. وروى أحمد -أيضا- من حديث عمارة بن خزيمة: لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب الأعصم من الغربان. وعند الطبراني -أيضا- من حديث عبادة بن الصامت: مثل المرأة المؤمنة كمثل الغراب الأبلق في غربان سود، لا ثانية لها، ولا شبه لها... الحديث .

واختلف في تفسير الأعصم: ففي الصحاح الغراب الأعصم: الذي في جناحيه ريشة بيضاء; لأن جناح الطائر بمنزلة اليد له، اهـ. قلت: وعن ابن الأعرابي: الأعصم من الخيل: الذي في يديه بياض. وعن الأصمعي: العصمة: بياض في ذراعي الظبي، والوعل، وقيل: بياض في يديه أو إحداهما، كالسوار، قال الزمخشري: وتفسير الحديث يطابق هذا القول، لكن وضع الرجل مكان اليد، قالوا وهذا غير موجود في الغربان، فمعناه: لا يدخل أحد من المختالات المتبرجات الجنة، اهـ .

(وفي وصية لقمان) الحكيم (لابنه: يا بني اتق المرأة السوء، فإنها تشيبك) أي: توقعك في الشيب; لكثرة مكابدتك من سوء خلقها، فتقع في هموم وأكدار، فيسرع الشيب (قبل) إبان (الشيب، واتق شرار النساء) وهن الفاجرات السليطات الألسن على أزواجهن (فإنهن لا يدعون إلى خير) أي: لا خير فيهن، ولا يطلب عندهن (وكن من خيارهن على حذر) وخوف (و) قد روي معنى قول لقمان، في قول نبينا -صلى الله عليه وسلم- (قال -صلى الله عليه وسلم-: استعيذوا) بالله (من الفواقر الثلاث) جمع فاقرة، وهي التي تفقر الظهر، أي: تكسر فقاره، والمراد هنا: الدواهي المهلكة، وهي القواصم أيضا (وعد منهن: المرأة السوء، فإنها المشيبة) لزوجها (قبل الشيب، وفي لفظ آخر) : هي التي (إن دخلت عليك لسبتك) أي: أذتك بالقول، والفعل. واللسب: بالسين المهملة والموحدة، اللدغ. (وإن غبت عنها خانتك) في مالك، أو في خروجها من غير إذن، أو غير ذلك. وفي رواية: وإن غبت عنها لم تأمنها. وبقية الحديث: جار في إقامة إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها، وإمام إن أحسنت لم يرض عنك، وإن أسأت قتلك. قال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس باللفظ الأول، من حديث أبي هريرة، بسند ضعيف. واللفظ الآخر رواه الطبراني، من حديث فضالة بن عبيد: ثلاث من الفواقر، فذكر منها، وامرأة إن حضرتك آذتك، وإن غبت عنها خانتك، وسنده حسن، اهـ. قلت: قال الهيثمي: فيه محمد بن عصام بن يزيد، ذكره ابن أبي حاتم، فلم يجرحه، ولم يوثقه، وبقية رجاله وثقوا، ولفظه: إمام إن أحسنت لم يشكر، وإن أسأت لم يغفر، وجار إن رأى خيرا دفنه، وإن رأى شرا أشاعه، والباقي مثل سياق المصنف باللفظ الثاني .

(وقال -صلى الله عليه وسلم- في خيرات النساء) أي: خيارهن (إنهن صواحبات يوسف) مروا أبا بكر فليصل بالناس. متفق عليه، من حديث عائشة، وحفصة، قال العراقي: وفي رواية للترمذي في الشمائل: أو صويحبات، وكل منهما جمع صاحبة، لكن الثاني قليل (يعني: أن صرفكن أبا بكر) -رضي الله عنه- (عن التقدم) لإمامة الصلاة (ميل منكن عن الحق إلى الهوى) وتزيين وإغواء، كما أن زليخا حين راودت يوسف -عليه السلام- كان ذلك غرابة وهوى، ففيه: اعتذار ليوسف، وإيقاع اللوم عليها، كذا في القوت، وأخرج الحديث مطولا الترمذي في الشمائل، وروى الشيخان بعضه، ومنه هذا القول المذكور هنا، وفيه: [ ص: 359 ] أن عائشة أجابته: بأن أبا بكر أسيف، لا يقدر على أن يقوم مقامك، وأنه كرر ذلك، فكررت الجواب، فقال ما قال، وفي البخاري: فمر عمر فليصل بالناس، وإنها قالت لحفصة إنها تقول ما قالت عائشة، فقال لها: إنكن لأنتن صواحب يوسف، فقالت لها حفصة: ما كنت لأصيب منك خيرا. وإنما جعلهن كذلك في إظهار خلاف ما في الباطن، أي: في التظاهر والتعاون، ثم هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد واحدة، وهي: عائشة، ووجه الشبه: أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة، ومرادها: زيادة على ذلك، وهي: أن ينظرن حسن يوسف فيعذرنها في محبته، وعائشة رضي الله عنها أظهرت في أن سبب محبتها صرف الإمامة عن أبيها: عدم إسماعه القراءة، ومرادها: زيادة على ذلك، في أن لا يتشاءم الناس، فقد روى البخاري عنها: لقد راجعته، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحسب الناس رجلا قام مقامه أبدا، ولا كنت أرى أنه لم يقم أحد مقامه -عليه السلام- إلا تشاءم الناس به.

(وقال) الله تعالى في نسائه (حين أفشين) أي: أظهرن (سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، أي: مالت) إلى الهوى، فأمرهما بالتوبة; للميل إلى هواهما (وقال ذلك في خير أزواجه) وهما: عائشة، وحفصة، رضي الله عنهما، فما ظنك بمن شاكلته الجهالة، ووصفه الهوى، والضلالة؟ قال العراقي: متفق عليه، من حديث عمر.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: لا يفلح قوم تملكهم امرأة) نقله صاحب القوت، وفي نسخة: تملكتهم. قال العراقي: رواه البخاري، من حديث أبي بكر نحوه، اهـ. قلت: يشير بذلك إلى أنه رواه بلفظ: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. وهكذا رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وفي رواية: ملكوا. قاله لما بلغه أن فارسا ملكوا البوران، ابنة كسرى، فلذلك امتنع أبو بكرة عن القتال مع عائشة في وقعة الجمل، واحتج بهذا الخبر، وقال الطيبي في شرح المشكاة: هذا إخبار بنفي الفلاح عن أهل فارس على سبيل التأكيد، وفيه إشعار بأن الفلاح للعرب، فتكون معجزة .

(وزجر عمر -رضي الله عنه- امرأته لما راجعته) ولفظ القوت: وتكلم عمر مرة في شيء من الأمر، فأخذت امرأته تراجعه القول فزبرها (وقال: ما أنت) وهذا، إنما (أنت لعبة في جانب البيت، إن كانت لنا إليك حاجة، وإلا جلست كما أنت) واللعبة بالضم: كل ما يلعب به، كالشطرنج، والنرد، وغيرهما، وسماها لعبة; لكونها تلهي، أو المراد: بمنزلة لعبة (فإذا فيهن شر) وسوء خلق، وجفاء (وفيهن) -أيضا- (ضعف) وعجز وقصور .

(فالسياسة والخشونة علاج الشر، والمطايبة والرحمة علاج الضعف، والطبيب الحاذق) الماهر في فنه (هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء) الحادث (فلينظر الرجل أولا إلى أخلاقها بالتجربة) والاختبار (ثم ليعاملها بما يصلحها) فلا يضع الخشونة على الضعف، ولا الرحمة على الشر، وإنما يعطيها (كما يقتضيه حالها) وينزلها في مقامها من أخلاقها وأعمالها .




الخدمات العلمية