الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( السادسة : امرأة المفقود الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك ، كالذي يفقد من بين أهله ، أو في مفازة ، أو بين الصفين إذا قتل قوم ، أو من غرق مركبه ونحو ذلك . فإنها تتربص أربع سنين ، ثم تعتد للوفاة ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . واعلم أن الخلاف هنا في مقدار تربص المرأة ، ثم اعتدادها فيما ظاهره الهلاك كالخلاف المتقدم في " باب ميراث المفقود " فيما ظاهره الهلاك حكما ومذهبا . قاله الأصحاب . فليعاود ذلك .

فائدتان إحداهما : تربص الأمة كالحرة في ذلك . على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب أبو بكر وغيره . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وقال القاضي : تتربص على النصف من الحرة . ورواه أبو طالب ، ورده المصنف ، والشارح ، وغيرهما .

الثانية : هل تجب لها النفقة في مدة العدة . أم لا ؟ فيه وجهان .

أحدهما : لا تجب . وهو الذي ذكره ابن الزاغوني في الإقناع . قال المجد في شرحه : هو قياس المذهب عندي . لأنه حكم بوفاته بعد مدة الانتظار . فصارت معتدة للوفاة .

والثاني : يجب . قاله القاضي . لأن النفقة لا تسقط إلا بيقين الموت ولم يوجد [ ص: 289 ] هنا . وذكره في المغني ، وزاد : أن نفقتها لا تسقط بعد العدة . لأنها باقية على نكاحه ، ما لم تتزوج أو يفرق الحاكم بينهما . قلت : فعلى الثاني يعايى بها .

قوله ( وهل يفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم بضرب المدة ، وعدة الوفاة ؟ على روايتين ) . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والمحرر ، والشرح ، والرعاية الكبرى ، والنظم ، والفروع .

إحداهما : يفتقر إلى ذلك . فيكون ابتداء المدة من حين ضربها الحاكم لها كمدة العنة . جزم به في الوجيز . وقدمه في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وشرح ابن رزين .

والرواية الثانية : لا يفتقر إلى ذلك . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : لا يعتبر الحاكم على الأصح . فلو مضت المدة والعدة تزوجت . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . وهو الصواب . وقدمه في الرعاية الكبرى في أول كلامه . وعدم افتقار ضرب المدة إلى الحاكم من مفردات المذهب .

تنبيه :

ظاهر كلامه : أنه لا يشترط أن يطلقها ولي زوجها بعد اعتدادها للوفاة وهو إحدى الروايتين ، والمذهب منهما . وهو الصواب . قال المصنف ، والشارح : وهو القياس . وقدمه في الرعاية الكبرى . وصححه في النظم . وقال ابن عقيل : لا يعتبر فسخ النكاح على الأصح . كضرب المدة . انتهى .

[ ص: 290 ] وعنه يعتبر طلاق وليه بعد اعتدادها للوفاة ، ثم تعتد بعد طلاق الولي بثلاثة قروء . وقدمه ابن رزين في شرحه . وأطلقهما في المستوعب ، والمغني ، والشرح ، والفروع .

قوله ( وإذا حكم الحاكم بالفرقة : نفذ حكمه في الظاهر دون الباطن . فلو طلق الأول : صح طلاقه ) . لبقاء نكاحه . وكذا لو ظاهر منها : صح . وهذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والبلغة ، والمحرر ، والشرح والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع وغيرهم . ويتخرج أن ينفذ حكمه باطنا . فينفسخ نكاح الأول . ولا يقع طلاقه ولا ظهاره وهو لأبي الخطاب في الهداية . وذكره في الفروع وغيره رواية . قلت : قد ذكر المصنف في هذا الكتاب في آخر " باب طريق الحكم وصفته " رواية ذكرها ابن أبي موسى بأن حكم الحاكم يزيل الشيء عن صفته في الباطن من العقود والفسوخ . وقال أبو الخطاب : القياس أنا إذا حكمنا بالفرقة نفذ ظاهرا وباطنا . وقال في الفروع : ويتوجه الإرث على الخلاف .

فائدة :

لو تزوجت امرأة المفقود قبل الزمان المعتبر ، ثم تبين أنه كان ميتا أو أنه طلقها قبل ذلك بمدة تنقضي فيها العدة : ففي صحة النكاح قولان . ذكرهما القاضي . الصحيح منهما : عدم الصحة . اختاره المصنف ، والشارح . [ ص: 291 ] وقال في الفروع : وإن بان موته وقت الفرقة ، ولم يجز التزويج : ففي صحته وجهان . انتهى .

قوله ( وإذا فعلت ذلك ) . يعني : إذا تربصت أربع سنين واعتدت للوفاة ( ثم تزوجت ثم قدم زوجها الأول ) ( ردت إليه ، إن كان قبل دخول الثاني بها ) . وهذا المذهب . نص عليه . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وذكر القاضي رواية : أنه يخير . أخذ ذلك من قول الإمام أحمد رحمه الله " إذا تزوجت امرأته ، فجاء : خير بين الصداق وبين امرأته " . قال المصنف ، والشارح : والصحيح أن عموم كلام الإمام أحمد رحمه الله : يحمل على خاص كلامه في رواية الأثرم ، وأنه لا تخيير إلا بعد الدخول . فتكون زوجة الأول رواية واحدة .

قوله ( وإن كان بعده ) . يعني بعد الدخول والوطء : خير الأول بين أخذها وبين تركها مع الثاني . وهو المذهب . كما قال المصنف . وقدمه في الشرح ، وشرح ابن منجا ، والمحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وغيرهم . وهو من مفردات المذهب . وقال المصنف هنا : والقياس أنها ترد إلى الأول . ولا خيار إلا أن يفرق الحاكم بينهما . ونقول بوقوع الفرقة باطنا . فتكون زوجة الثاني بكل حال . وكذا قال في الهداية ، والمحرر . وحكاه في الفروع عن جماعة من الأصحاب . [ ص: 292 ] وعنه : التوقف في أمره . ونقل أبو طالب : لا خيار للأول مع موتها ، وأن الأمة كنصف الحرة ، كالعدة . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : هي زوجة الثاني ظاهرا وباطنا . وجعل في الروضة التخيير المذكور إليها . فأيهما اختارته : ردت على الآخر ما أخذته منه . انتهى . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وترث الثاني . ذكره أصحابنا . وهل ترث الأول ؟ قال الشريف أبو جعفر : ترثه . كذا قال في الفروع . وقال ابن نصر الله في حواشيه على الفروع : وصوابه : وقال أبو حفص . وخالفه غيره ، وأنه متى ظهر الأول حيا فالفرقة ونكاح الثاني موقوف . فإن أخذها بطل نكاح الثاني حينئذ . وإن أمضى ثبت نكاح الثاني . فعلى المذهب : إن اختار الأول أخذها فله ذلك بالعقد الأول من غير افتقار إلى طلاق الثاني . على الصحيح من المذهب . نص عليه . قال في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم : والمنصوص : وإن لم يطلق . وقيل : لا بد من طلاق الثاني . قال القاضي : قياس قوله يحتاج إلى الطلاق . انتهى .

وإن اختار أن يتركها للثاني : تركها له . فتكون زوجته من غير تجديد عقد على الصحيح من المذهب . وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب . وقدمه في الشرح ، والفروع . قلت : فيعايى بها . وقال المصنف : الصحيح أنه يجدد العقد .

قوله ( ويأخذ صداقها منه ) . [ ص: 293 ] يعني : إذا تركها الأول للثاني أخذ صداقها منه . وهذا المذهب ، وعليه الأصحاب . وقال ابن عقيل : القياس أنه لا يأخذه .

قوله ( وهل يأخذ صداقها الذي أعطاها ، أو الذي أعطاها الثاني ؟ على روايتين ) . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والمغني ، والمحرر ، والشرح ، والرعايتين ، والحاوي ، والفروع ، وغيرهم .

إحداهما : يأخذ قدر صداقها الذي أعطاها هو ، لا الثاني . وهو المذهب . صححه في التصحيح . قال في القاعدة الرابعة والخمسين بعد المائة : هذا أصح الروايتين . وجزم به في الوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، ونظم المفردات . واختاره أبو بكر . وقدمه في الخلاصة ، والكافي ، وشرح ابن رزين .

والرواية الثانية : يأخذ صداقها الذي أعطاها الثاني . وعلى كلا الروايتين : يرجع الثاني على الزوجة بما أخذه الأول منه . على الصحيح . جزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الخلاصة ، وشرح ابن رزين . وعنه : لا يرجع به عليها . قال في المغني : وهو أظهر . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والمغني ، والشرح ، والمحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، والقواعد . [ ص: 294 ]

قوله ( فأما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتاجر ، والسائح فإن امرأته تبقى أبدا إلى أن يتيقن موته ) . هذا إحدى الروايات . قدمه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمصنف ، والشارح ، وقالا : هذا المذهب ، ونصراه . وجزم به في العمدة . وعنه : أنها تتربص تسعين عاما من يوم ولد . ثم تحل . هذا المذهب . جزم به في الوجيز . وقدمه في المحرر ، والنظم ، والفروع . والمصنف في هذا الكتاب . في " باب ميراث المفقود " وغيرهم . وهو من مفردات المذهب . وعنه : تنتظر أبدا . فعليها : يجتهد الحاكم فيه كغيبة ابن تسعين سنة . ذكره في الترغيب . قال في الرعايتين ، والحاوي الصغير في هذا الباب : وإن جهل بغيبة ظاهرها السلامة ، ولم يثبت موته : بقيت ما رأى الحاكم . ثم تعتد للموت . وقدموا هذا . وتقدم الخلاف في ذلك مستوفى في " باب ميراث المفقود " فليعاود .

قوله ( وكذلك امرأة الأسير ) . وقاله غيره من الأصحاب أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية