الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن قال : أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ، ولا ماء فيه ، أو لأقتلن فلان الميت ، أو لأصعدن السماء ، أو لأطيرن ، أو إن لم أصعد السماء ونحوه : طلقت في الحال ) هذا تعليق بعدم وجود المستحيل وعدم فعله ، ومن جملة أمثلته " إن لم أشرب ماء الكوز " ولا ماء فيه ، أو " إن لم أطر " وهو المذهب ، جزم به في الوجيز ، وغيره ، وصححه المصنف ، والشارح ، [ ص: 43 ] وقدمه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والشرح ، والمحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وغيرهم ، وقال أبو الخطاب في موضع من كلامه : لا تنعقد يمينه ، وحكى في الهداية عن القاضي : أنها لا تنعقد ، فلا يقع به الطلاق ، وقيل : تطلق في المستحيل لذاته ، وفي المستحيل عادة : تطلق في آخر حياته ، وقيل : إن وقته كقوله " لأطيرن اليوم " ونحوه : طلقت في آخر وقته ، وذكره أبو الخطاب اتفاقا ، وإن أطلق : طلقت في الحال ، وقيل : إن علم موته حنث وإلا ، فلا لتوهم عود الحياة الفانية .

فائدة : لو قال " لا طلعت الشمس " فهو كقوله " لأصعدن السماء " ، قوله ( وإن قال : أنت طالق إن شربت ماء الكوز ، ولا ماء فيه أو صعدت السماء ، أو شاء الميت أو البهيمة ) هذا تعليق بوجود مستحيل وفعله ، وهو قسمان : مستحيل عادة ، ومستحيل لذاته ، فالمستحيل عادة : كما مثل المصنف ، ومن جملة أمثلته " أنت طالق لا طرت " أو " إن طرت " أو " لا شربت ماء الكوز " ولا ماء فيه ، أو " إن قلبت الحجر ذهبا " ونحوه ، والمستحيل لذاته : كقوله " أنت طالق إن رددت أمس " أو " جمعت بين الضدين " أو " شربت الماء الذي في هذا الكوز " ولا ماء فيه ونحوه ، فهذان القسمان لا تطلق بهما في أحد الوجهين ، وهو المذهب ، وصححه في المغني ، والشرح ، والتصحيح ، والنظم ، وغيرهم ، وجزم به في الوجيز ، وغيره ، وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وتطلق في الأخر ، وأطلقهما ابن منجا في شرحه ، [ ص: 44 ] وقيل : تطلق في المستحيل لذاته ، لا في المحال في العادة .

فائدة : حكم العتق والحرام والظهار والنذر : حكم الطلاق في ذلك ، وأما اليمين بالله تعالى : فكذلك على أصح الوجهين ، قدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي ، وغيرهم ، وأطلقهما في الفروع ، ويأتي الكلام عليه في كلام المصنف في كتاب الأيمان في الفصل الثاني . قوله ( وإن قال : أنت طالق اليوم إذا جاء غد ، فعلى الوجهين ) يعني المتقدمين قبله ، وأطلقهما في الشرح ، أحدهما : لا تطلق مطلقا ، بل هو لغو ، وهو الصحيح من المذهب ، اختاره القاضي في المجرد ، وابن عبدوس في تذكرته ، وجزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة وغيرهم ، وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي ، والفروع ، وصححه في التصحيح ، والثاني : تطلق في الحال ، اختاره القاضي أيضا ، ذكره الشارح ، قال في الوجيز : طلقت . انتهى . وقيل : تطلق في غد .

تنبيه : قال ابن منجا في شرحه : وظاهر كلام المصنف فيما حكاه عن القاضي أن الطلاق لا يقع هنا ، مع قطع النظر عن تخريجه على تعليق الطلاق بشرط مستحيل ، قال المصنف في المغني : اختيار القاضي أن الطلاق يقع في الحال . انتهى . قلت : قد ذكر الشارح عن القاضي قولين : عدم الطلاق مطلقا ، ووقوع الطلاق في الحال كما ذكرته عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية