الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الحال الثاني : التغير بالزيادة ، وهو نوعان . أحدهما : الزيادات الحاصلة ، لا من خارج ، وهي ثلاثة أضرب . أحدها : المتصلة من كل وجه ، كالسمن ، وتعلم الصنعة ، وكبر الشجرة ، فلا عبرة بها . وللبائع الرجوع من غير شيء يلتزمه للزيادة ، وهذا حكم الزيادات في جميع الأبواب ، إلا الصداق ، فإن الزوج إذا طلق قبل الدخول ، لا يرجع في النصف الزائد إلا برضاها .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : الزيادات المنفصلة من كل وجه ، كالولد ، واللبن ، والثمرة ، فيرجع في الأصل ، وتبقى الزوائد للمفلس . فلو كان ولد الأمة صغيرا ، فوجهان . أحدهما : أنه إن بذل قيمة الولد ، أخذه مع الأم ، وإلا ، فيضار لامتناع التفريق . وأصحهما : إن بذل قيمة الولد ، وإلا فيباعان ويصرف ما يخص الأم إلى البائع ، وما يخص الولد إلى المفلس . وذكرنا وجهين ، فيما إذا وجد الأم معيبة ، وهناك ولد صغير : أنه الرد وينتقل إلى الأرش ، أو يحتمل التفريق للضرورة . وفيما إذا رهن الأم دون الولد ، أنهما يباعان معا ، أو يحتمل التفريق . ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق ، بل احتالوا في دفعه ، فيجوز أن يقال : يجيء وجه التفريق هنا ، لكن لم يذكروه اقتصارا على الأصح ، ويجوز أن يفرق بأن مال المفلس مبيع كله ، مصروف إلى الغرماء ، فلا وجه لاحتمال التفريق ، مع إمكان المحافظة على جانب الراجع ، وكون ملك المفلس مزالا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 160 ] قلت : هذا الثاني هو الصواب ، وبه قطع الجمهور تصريحا وتعريضا ، وحكى صاحب " الحاوي " والمستظهري ، وغيرهما وجها غريبا ضعيفا : أنه يجوز التفريق بينهما للضرورة ، كمسألة الرهن . وقالوا : ليس هو بصحيح ، إذ لا ضرورة ، وفرقوا بما سبق ، فحصل أن دعوى الإمام الرافعي ليست بمقبولة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو كان المبيع بذرا ، فزرعه فنبت ، أو بيضة فتفرخت في يده ، ثم فلس ، فوجهان . أصحهما عند العراقيين وصاحب التهذيب : يرجع فيه ; لأنه حدث من عين ماله ، أو هو عين ماله اكتسب صفة أخرى ، فأشبه الودي إذا صار نخلا . والثاني : ليس له الرجوع ; لأن المبيع هلك ، وهذا شيء جديد استجد اسما ، ويجري الوجهان في العصير إذا تخمر في يد المشتري ، ثم تخلل ، ثم فلس . ولو اشترى زرعا أخضر مع الأرض ، ففلس وقد اشتد الحب ، فقيل بطرد الوجهين . وقيل : القطع بالرجوع .

                                                                                                                                                                        الضرب الثالث : الزيادات المتصلة من وجه دون وجه ، كالحمل . فإن حدث بعد الشراء ، وانفصل قبل الرجوع ، فحكمه ما سبق في الضرب الثاني . وإن كانت حاملا عند الشراء والرجوع جميعا ، فهو كالسمن فيرجع فيها حاملا . وإن كانت حاملا قبل الشراء وولدت قبل الرجوع ، ففي تعدي الرجوع إلى الولد ، قولان ، بناء على أن الحمل يعرف ، أم لا ؟ إن قلنا : نعم وهو الأظهر ، رجع كما لو اشترى شيئين ، وإلا فلا ، وإن كانت حائلا عند الشراء ، حاملا عند الرجوع ، فقولان أظهرهما عند الجمهور : يرجع فيها حاملا ; لأن الحمل تابع في البيع ، فكذا هنا .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا يرجع في الحمل ، فعلى هذا : يرجع في الأم على الأصح . وقيل : لا [ ص: 161 ] بل يضارب . فإن قلنا : يرجع في الأم فقط ، قال الشيخ أبو محمد : يرجع فيها قبل الوضع . فإذا ولدت ، فالولد للمفلس . وقال الصيدلاني وغيره : لا يرجع في الحال ، بل يصير إلى انفصال الولد ، ثم الاحتراز عن التفريق بين الأم والولد طريقه ما سبق .

                                                                                                                                                                        قلت : قول الشيخ أبي محمد هو ظاهر كلام الأكثرين ، وصرح به صاحب الحاوي وغيره . قال صاحب الحاوي : ولا يلزم تسليمها إلى البائع ، لحق المفلس ، ولا إقرارها في يد المفلس أو غرمائه ، لحق البائع في الأم ، ولا يجوز أخذ قيمة الولد ، فتوضع الأم عند عدل يتفقان عليه ، وإلا فيختار الحاكم عدلا . قال : ونفقتها على البائع دون المفلس ; لأنه مالك الأم ، وسواء قلنا : تجب نفقة الحامل لحملها ، أم لا . قال أصحابنا : وحكم سائر الحيوانات الحائلة والحاملة حكم الجارية ، إلا أن في باقي الحيوانات ، يجوز التفريق بينهما وبين ولدها الصغير ، بخلاف الجارية . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية