الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        متى رجع البائع في الشجر وبقيت الثمار للمفلس ، فليس له قطعها ، بل عليه إبقاؤها إلى الجداد ، وكذا لو رجع في الأرض وهي مزروعة بزرع المفلس ، يترك إلى الحصاد ، كما لو اشترى أرضا مزروعة ، لم يكن له تكليف البائع قلعه . ثم إذا أبقي الزرع ، فلا أجرة على المذهب . وحكي قول مخرج مما لو بنى أو غرس ، فإن للبائع الإبقاء بأجرة ، ثم الكلام في طلب الغرماء والمفلس القطع أو الجداد والحصاد على ما سبق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        متى ثبت الرجوع في الثمار بالتصريح ببيعها مع الشجر ، أو قلنا به في الحالة الثالثة والرابعة ، فتلفت الثمار بجائحة ، أو أكل أو غيرهما ، ثم فلس ، أخذ البائع الشجر بحصتها من الثمن ، وضارب بحصة الثمر ، فتقوم الشجر وعليها الثمر ، فيقال مثلا : قيمتها مائة ، وتقوم وحدها فيقال : تسعون ، فيضارب بعشر الثمن . فإن حصل في قيمتها انخفاض أو ارتفاع ، فالصحيح أن الاعتبار في الثمار بالأقل من قيمتي يومي العقد والقبض ؛ لأنها إن كانت يوم القبض أكثر ، فالنقص قبله كان من ضمان البائع ، فلا يحسب على المشتري . وإن كانت يوم العقد أقل ، فالزيادة ملك المشتري ، وتلفت ، [ ص: 166 ] فلا حق للبائع فيها . وفي وجه شاذ : يعتبر يوم القبض . وأما الشجر ، ففيها وجهان . أحدهما : يعتبر أكثر القيمتين ؛ لأن المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع ، فنقصه عليه ، وزيادته للمشتري ، فيأخذ بالأكثر ، ليكون النقص محسوبا عليه . كما أن في الثمرة الباقية على المشتري ، يعتبر الأقل ، ليكون النقص محسوبا عليه . والثاني : يعتبر يوم العقد قل أم كثر ؛ لأن ما زاد بعده فهو من الزيادات المتصلة ، وعين الأشجار باقية ، فيفوز بها البائع ، ولا يحسب عليه . وهذا الثاني ، هو المنقول في " التهذيب " و " التتمة " وبالأول جزم الصيدلاني وغيره ، وصححه الغزالي . مثل ذلك ، قيمة الشجر يوم البيع عشرة ، وقيمة الثمر خمسة . فلو لم تختلف القيمة ، لأخذ الشجرة بثلثي الثمن ، وضارب للثمرة بالثلث . وإن زادت قيمة الثمرة وكانت يوم القبض عشرة ، فعلى الصحيح ، هو كما لو كانت بحالها اعتبارا لأقل قيمتها . وعلى الشاذ : يضارب بنصف الثمن . ولو نقصت وكانت يوم القبض درهمين ونصفا ، ضارب بخمس الثمن . فلو زادت قيمة الشجر أو نقصت ، فالحكم على الوجه الثاني ، كما لو بقيت بحالها . وعلى الأول كذلك إن نقصت . وإن زادت ، فكانت خمسة عشر ، ضارب بربع الثمن . قال الإمام : وإذا اعتبرنا في الثمار أقل القيمتين فتساوتا ، ولكن بينهما نقص . فإن كان لمجرد انخفاض السوق ، فلا عبرة به . وإن كان لعيب طرأ وزال ، فكذلك على الظاهر . كما أنه يسقط بزواله حق الرد بالعيب . وإن لم يزل العيب ، لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق ، فالذي أراه ، اعتبار قيمته يوم العيب ؛ لأن النقص من ضمان البائع ، والارتفاع بعده في ملك المشتري ، فلا يجبره . قال : وإذا اعتبرنا في الشجر أكثر القيمتين ، فكانت قيمته يوم العقد مائة ، ويوم القبض مائة وخمسين ، ويوم رجوع البائع مائتين ، فالوجه : القطع باعتبار المائتين . ولو كانت قيمتها يومي العقد والقبض ما ذكرناه ، ويوم الرجوع مائة ، اعتبر يوم الرجوع ؛ لأن ما طرأ من زيادة ونقص وزال ، [ ص: 167 ] ليس ثابتا يوم العقد حتى يقول : إنه وقت المقابلة ، ولا يوم أخذ البائع ليحسب عليه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        سبيل التوزيع في كل صورة تلف فيها أحد الشيئين المبيعين ، واختلفت القيمة وأراد الرجوع إلى الباقي ، على ما ذكرناه في الأشجار والثمار بلا فرق .

                                                                                                                                                                        النوع الثاني من الزيادات : ما التحق بالمبيع من خارج ، وينقسم إلى عين محضة ، وصفة محضة ، ومركب منهما . الضرب الأول : العين المحضة ، ولها حالان . أحدهما : أن تكون قابلة للتمييز عن المبيع ، كمن اشترى أرضا فغرس فيها ، أو بنى ، ثم فلس قبل أداء الثمن ، فإذا اختار البائع الرجوع في الأرض ، نظر ، إن اتفق الغرماء والمفلس على القلع وتسليم الأرض بيضاء ، رجع فيها وقلعوا ، وليس له أن يلزمهم أخذ قيمة الغراس والبناء ليتملكها مع الأرض . وإذا قلعوا ، وجب تسوية الحفر من مال المفلس ، وإن حدث في الأرض نقص بالقلع ، وجب أرشه في ماله . قال الشيخ أبو حامد : يضارب به . وفي " المهذب " و " التهذيب " : أنه يقدم به ؛ لأنه لتخليص ماله . وإن قال المفلس : يقلع . وقال الغرماء : نأخذ القيمة من البائع ليتملكه ، أو بالعكس ، أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء ، أجيب من في قوله المصلحة . فإن امتنعوا جميعا من القلع ، لم يجبروا ؛ لأنه غير متعد . ثم ينظر ، إن رجع على أن يتملك البناء والغراس بقيمتهما ، أو يقلع ويغرم أرش النقص ، فله ذلك ؛ لأنه يندفع به الضرر من الجانبين ، والاختيار فيهما إليه ، وليس للغرماء والمفلس الامتناع ، بخلاف ما سبق في الزرع ؛ لأن له أمدا قريبا . وإن أراد الرجوع في الأرض وحدها ، لم يكن له ذلك على الأظهر ؛ لأنه ينقض قيمة البناء والغراس ، ويضرهم ، والضرر لا يزال بالضرر . وفي قول : له ذلك ، كما لو صبغ المشتري الثوب [ ص: 168 ] ثم فلس ، يرجع البائع في الثوب فقط . وقيل : إن كانت الأرض كثيرة القيمة ، والبناء والغراس مستحقرين بالإضافة إليها ، كان له ذلك . وإن كان عكسه ، فلا ، إتباعا للأقل الأكثر . وقيل : إن أراد الرجوع في البياض المتخلل بين البناء والشجر ، ويضارب للباقي بقسطه من الثمن ، كان له . وإن أراد الرجوع في الجميع ، فلا ، فإن قلنا بالأظهر ، فالبائع يضارب بالثمن ، أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما مع غرامة أرش النقص . وإن مكناه من الرجوع فيها ، فوافق الغرماء والمفلس ، وباع الأرض معهم حين باعوا البناء فذاك . وطريق التوزيع ، ما سبق في الرهن . وإن امتنع ، لم يجبر على الأظهر ، وإذا لم يوافقهم ، فباعوا البناء والغراس ، بقي للبائع ولاية التملك بالقيمة ، والقلع مع الأرش ، وللمشتري الخيار في البيع إن كان جاهلا بحال ما اشتراه ، هذا الذي ذكرناه في هذا الضرب ، هو الذي قطع به الجماهير في الطرق كلها ، وهو الصواب المعتمد . وذكر إمام الحرمين في المسألة أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : لا رجوع بحال . والثاني : تباع الأرض والبناء رفقا بالمفلس . والثالث : يرجع في الأرض ويتخير بين ثلاث خصال : تملك البناء والغراس بالقيمة ، وقلعهما مع التزام أرش النقص ، وإبقاؤهما بأجرة المثل ، يأخذها من ملكهما . وإذا عين خصلة ، فاختار الغرماء والمفلس غيرها ، أو امتنعوا من الكل ، فوجهان في أنه يرجع إلى الأرض ، ويقلع مجانا ، أو يجبرون على ما عينه . والرابع : إن كانت قيمة البناء أكثر ، فالبائع فاقد عين ماله . وإن كانت قيمة الأرض أكثر ، فواجد . هذا نقل الإمام ، وتابعه الغزالي وأصحابه على الأقوال الثلاثة الأول ، وهذا النقل شاذ منكر لا يعرف ، وليت شعري من أين أخذت هذه الأقوال ؟ !

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية